كم يبلغ حجم البروتون بالضبط؟ لا أحد يعرف، وهذه مشكلة
يعدّ حجم البروتون أحد الأسرار الجسيمية والتي ينجم عنها الكثير من التبعات، فبعد مرور ست سنوات على إعلان الفيزيائيين قياس حجم البروتون الصغير بدرجة مذهلة، ما زلنا غير متأكدين من حجمه بطريقة دقيقة، ومع إعلان بيانات جديدة اليوم فقد أصبح الغموض المتعلّق بحجم البروتون أكبر.
البروتونات هي جزيئات موجودة بداخل نواة الذرات، وتمّ اعتبار نصف قطر البروتون لسنوات حوالي 0,877 فيمتو متر (وحدة طول تساوي 10−15 متر) أو أقل من كوادريليون (عدد يساوي مليون مليار) من متر.
ولكن وبشكل مثير للقلق حصل “راندولف بوهل” في عام 2010 من معهد ماكس بلانك للبصريات الكميّة في بلدة غارشينغ الألمانية على إجابة مختلفة عن طريق استخدام تقنية قياس جديدة.
قام فريق بوهل بتغيير بروتون واحد وتغيير تكوين إلكترون واحد من ذرة الهيدروجين عن طريق تحويل الإلكترون إلى جسيم أثقل يدعى “ميون”، ثم قاموا بتنشيط هذه الذرة المستبدلة باستخدام الليزر. سمح قياس التغير الناتج في مستويات الطاقة في هذه الذرّة بحساب حجم نواة البروتون. أثارت النتيجة دهشة الفريق حيث إنها جاءت أقل بنسبة %4 من القيمة التقليدية المقاسة بواسطة وسائل أخرى.
عززت عملية قياس تمّت في عام 2013 النتيجة السابقة ممّا يتطلّب من الفيزيائيين البحث عن تفسير ل “أحجية قياس البروتون”.
طبقت تجربة بوهل التقنية الجديدة على الديوتريوم وهو نظير الهيدروجين والذي يحتوي على بروتون واحد ونيوترون واحد في نواته ويعرف باسم ديوترون، وقد أخذ حساب حجم الديوترون الكثير من الوقت. “الشيء الوحيد الذي سيساعدنا على حلّ هذا اللغز هو المزيد من المعلومات الجديدة”نشر الفريق قياساته في الحادي عشر من آب 2016 والتي كشفت عن أن قياس الديوترون جاء أقصر من النتيجة المعروفة تماماً مثلما حصل مع قياس البروتون حيث وصلت نسبة القصر في هذه الحالة %0.8.
تقول إيفانجلين ج. دوني من جامعة جورج واشنطن في واشنطن العاصمة بأنّه من الظاهر أنّ مشكلة قياس البروتون لن تختفي، وتضيف: “إن هذه الأرقام تخبرنا أنه لا يزال هناك لغز في الأمر، فهذه القضيّة لا تزال غير واضحة، والشيء الوحيد الذي سيسمح لنا بحلها هو البحث عن بيانات جديدة”.
يتمّ حالياً إجراء العديد من التجارب المشابهة في مختبر بول وغيره، ستعود إحدى هذه التجارب وتستخدم نفس تقنية ميون لقياس حجم نوى ذرية أثقل مثل الهيليوم، وهنالك خطط أخرى لقياس تشتت الميونات والإلكترونات في وقت واحد.
يشكّ بوهل بأنّ سبب الخطأ في القياس قد لا يكون هو البروتون نفسه ولكن خطأ في قياس “ثابت ريدبرغ” والذي تمّ تصنيفه من أكثر الثوابت الفيزيائيّة دقّة لعام 2010 ويستخدم في تحليل الأطياف الذرية وهو عدد يصف موجات الضوء المنبعثة من ذرة نشطة. لكن هذا الثابت راسخ من خلال تجارب الدقة الأخرى وهذا ما ينفي تسببه في الخطأ لذلك فإنّ سبباً جذرياً آخر يجب أن يكون وراء هذا الخطأ.
هناك تفسير آخر يقترح وجود جزيئات جديدة تسبب تفاعلات غير متوقعة بين البروتون والميون دون تغيير علاقته بالإلكترون.
هذا قد يعني أن اللغز يأخذنا إلى ما هو أبعد من النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات حيث يقول بول: “إذا قام أحدهم باكتشاف ما هو خارج النموذج القياسي ، فإنّ ما سيحصل هو سيناريو يشبه التالي: تناقض صغير ينتج عنه تناقض آخر ومن ثمّ تناقض ثالث وهكذا وبصورة بطيئة ومتتالية حتّى نصل إلى نقلة هائلة في هذا الموضوع”.