ماذا قدم العالم الراحل ستيفن هوكينغ لنا حقاً؟
قبل أن نتعرف على انجازات ستيفن هوكينك العلمية وأهميتها يجب أن نفهم آلية العلم أولاً، إذا ألقينا نظرة على تاريخ العلم سوف نلاحظ إن العلم يسير وفق آلية تراكمية حيث أن كل عالم يأتينا بفكرة جديدة يفتح الباب لعشرات العلماء من بعده لكي يستمروا على العمل على هذه الفكرة وينتجون سلسلة أفكار جديدة وتلك السلسلة تستمر إلى ما لانهاية، إن جميع الإنجازات العلمية العظيمة هي نتاج من عشرات العلماء، كل فرد منهم ساهم بأمرٍ معين ثم كانت النتيجة في النهاية هي هذا التطور العلمي الذي يسير الحياة حولنا.
يرى البعض أن ما وصل إليه ستيفن هوكينغ لا يستحق كل هذا التقدير لأنه ليس فيه أي منفعة لنا، في الواقع إذا راجعنا تاريخ العلم ومنهجه سنعرف خطأ هذه الفكرة لأن العلم ليس أداة نعمل على تسخيرها لنا بل هو نظام وآلية عندما يعمل العلماء على أفكارهم لا يسألون أنفسهم السؤال الساذج ” ما الفائدة من كل هذا؟”.
عندما درس فاراداي وماكسويل وتيسلا العلاقة بين الظاهرة الكهربائية والمغناطيسية كان هدفهم الإجابة عن أسئلة سخيفة في نظر بعضنا مثل ” لماذا تؤثر الحقول الكهربائية على المغناطيس؟ ” لم يكونوا يتوقعوا أن عملهم سوف يعطي للبشرية أعظم إختراع في الوجود { الكهرباء } مع شبكات الإتصال بفضل نظريتهم الكهرومغناطيسية ! عندما عمل بلانك وبور وغيرهم في فيزياء الكم على تفسير سلوك جسيمات بعالم غير مرئي لنا لم يكونوا يسألون ” ما الفائدة من معرفة وضع جسيم؟” لكن في النهاية كانت أفكارهم أسس “للتكنولوجيا ” التي هي جوهر حياتنا اليوم!
إذن ماذا قدم ستيفن هوكينك لنا؟
لطالما كان موضوع الثقوب السوداء يشكل لغزًا كبيراً للعلماء في الفيزياء لمدة طويلة حتى ولّد ستيفن هوكينك في عام 1942 الذي كان له الدور الأساسي في وضع ” ميكانيكا الثقوب السوداء ” وقد فتح الباب لأسئلة جديدة كبيرة في الفيزياء فإن قيمة المنهج العلمي ترتكز في أسئلته قبل إجاباته لأن الأسئلة العظيمة هي التي تفتح الباب للأجوبة العظيمة وهذه الأجوبة بدورها تفتح الباب لأسئلة أخرى، ستيفن هوكينك هو العالم الوحيد الذي عاش بزمننا وكان له بصمة كبيرة في العلم في الزمن الذي فقدنا به هذا النوع من الأشخاص بعد وفاة أغلب العلماء المعروفين.
ستيفن هوكينك هو صاحب نظرية “إشعاع هوكينك” التي فتحت الباب لأسئلة تشغل تفكير العلماء إلى يومنا هذا مثل ” مفارقة المعلومات ” كما أن له دور كبير في رسم نموذج الإنفجار العظيم الذي يروي قصة كوننا وكان هوكينك يعمل جاهداً على وضع نظرية موحدة تفسر كوننا كاملاً ” نظرية كل شيء ” قبل رحيله، نشر هوكينك أشهر كتابين علميين هما ” التصميم العظيم وتاريخ موجز للزمن” مع عدة كتب أخرى وكتب عشرات المقالات الأكاديمية والأبحاث العلمية ويعتبر من أكبر المساهمين في تبسيط العلوم بمشاركته مع إبنته بتأليف كتب علمية للأطفال وإعداد الوثائقيات.
كان هوكينك أستاذاً جامعياً ورئيساً ونائباً في عدة جامعات رئيسية مثل كامبردج لعدة عقود كما قد حاز على العديد من الجوائز العالمية لمساهماته العديدة وترأس دراسات عن نظرية التضخم الكوني أما من ناحية إنسانية أخرى، ( كان هوكينك من أشد المعارضين للحرب على العراق وقاد حملة مدنية كبيرة ضد الحرب عام 2003).
فقد ستيفن هوكينك التحكم في جسده بسبب شلل تام منذ أيام شبابه وقال له الأطباء إنه يملك سنتين فقط ليعيش فيها لكن هوكينك عاش لأكثر من 30 سنة أخرى على كرسي متحرك وجهاز آلي للتحدث ! هو لا يستطيع أن يكتب حرف واحد لكن هوكينك كان يملك هبة أعظم من أي شيء هي “الخيال”، رغم أن جسده كان مقيدًا بكرسيٍ متحرك وجسدٍ عاطل لكن عقله كان حرًا يطوف في أرجاء الكون باحثاً عن ما يشفي غليل فضوله وفي النهاية أعطانا هذا الشخص الذي قيل أنه لم يعيش أكثر من سنتين نظريةً فتحت الباب لأسئلة جديدة سنكتشف أناس عظماء جُدد بسببها في المستقبل.
الأمر الذي يدعو للحزن أكثر من خبر رحيل ستيفن هوكينك هي ردود فعل البعض على موته، فإننا نرى اليوم بعض الناس حولنا فرحين وساخرين بالخبر في نفس الوقت الذي يضع العالم الحداد لفقدانه أعظم عقول العصر الحالي، فقط لأن ستيفن هوكينك كان يملك آراء شخصية وتوجهات مختلفة معهم ! إذا كان للعلم عدو فهو التمسك بالجهل.
عذراً يا هوكينك ..نحن أمة لا نسأل” ماذا فعلت ؟ ” قبل أن نسأل “ماذا كان توجهك؟” فقط لكي نحدد نظرتنا عليك وفق توجهك الخاص ونتجاهل إنجازاتك التي وهبتها لنا.
ستيفن هوكينك لم يمت، لأن العظماء لا يموتون، بل يخلدون في داخلنا في كل خطوة علمية جديدة تمهد مستقبلاً البشرية الذي يعتمد بشكل أساسي على فهمنا لهذا الكون، سوف نتذكره دوماً حينما ننظر إلى النجوم والكون لأنه كان جزء من فهمنا لهذا الكون الرائع.
كانت وصية ستيفن هوكينك لنا هي قوله “تذكروا أن تنظروا إلى الأعلى بأتجاه النجوم، وليس بأتجاه أقدامكم”.