المخلوق أن يلحظ الى خالقه . ولا سبيل الى هذا النظر الا بهذا الوجه وهذه الطريقة من التدريج والارتياض .
وقد ظن كثير من الناس أن الحكماء ستروا هذا الأمر عن الناس وكتموه ضنا وبخلا . وليس الأمر كذلك ، بل الصورة على ذكره الحكيم فى المثل الذى ضربه . فلا بد اذن – على ماذكر – من الترقى فيه من أسفل الى فوق ، والصبر على الدرجات التى بين الحضيض والذروة ، كما سنورده على طريق الاجمالى وعلى طريق الاشارة الى الأصول .
وأما السبب الذى كم أجله لحقتنا هذه الآفة فى عيون عقولنا من الغشاوة والضعف فهو ما بين من المباحث الفلسفية أن الانسان آخر الموجودات وأن التركيبات تناهت اليه ووقفت عنده ، وتكثرت الأغشية واللبوسات الهيولانية على جوهره النير ، أعنى العقل ، الذى به يدرك هذا المعنى البسيط .
وذلك أن البسائط الأول ابتدأت من الوحدة الى الاختلاط والتكثر ، ولم يكن ذلك بلا نهاية . اذا الأمور التى تخرج الى العقل تكون أبدا متناهية . فلما بلغت الانسان تناهت ووقفت . ولما وصل الانسان آخر الموجودات ، صارت الأشياء التى هى من أنفسها أوائل آخره عنده . وقد ذكر الحكيم ذلك من كتابه المسمى ( سمع الكيان ) .
( ويقصد السماع الطبيعى ) اذ يقول : ما هو أول عند الطبيعة فهو آخر عندنا … واذا كانت هذه حالنا عند الطبيعة ، التى هى أقرب الأمور الينا ، فما ظنك بالأمور الالهية التى هى على غاية البعد منا وبينها وبين الطبيعة بون عظيم .