أيام هاربة
[caption align="aligncenter"]أيام هاربة[/caption]يعيد إلينا شهر رمضان صوراً قديمة ومشاهد من الطفولة، بعض اكتشافاتنا الأولى، بعض استنتاجاتنا وانفعالاتنا. نتساءل: كيف نسترجع دفئاً قديماً؟ كأنه مشاعر الحب الأولى، بريئة ولا تستعاد بسهولة. جميل أنس هذا الشهر. يعيد تحريك المخيّلة بعد انطفائها. نتذكر أياماً بعيدة. كنا معاً، نجتمع حول مائدة واحدة. تفرّقْنا. في كل بيت غياب. الهجرة قدر في بلدان تدفع أبناءها إلى الرحيل. فالأفق ضيق والفرص قليلة ولا بد من التفكير في الغد. نقول: ثمة مشاعر انتهت صلاحيتها، فلننس. لكن الصور تقفز من الذاكرة، صور من دون كلمات أو أسماء، صور صامتة. هذا الوقت من السنة (الشهر الأخير من العام الدراسي) يعيدنا إلى تجارب أثرت فينا… من على الشرفة أراقب تلميذاً استوطن شرفته. يلصق وجهه بالكتاب، ثم يضع رأسه بين كفّيه ويحنيه نحو الدفتر. كأنه يسابق الوقت من دون أن يتحرّك. كأنه يجهز نفسه للانطلاق. على طاولته كتب وأوراق لا خوف عليها من نسيم يونيو. أحببت شهر الامتحانات. انتظرتُ خلاله أن أُكافأ على تعبي خلال عام دراسي كامل. فقد تعاملت مع تجاربي في المدرسة بجدية تامة. وأهم أسباب انكبابي على الدرس هو تجنب ذلّ دخول قاعة الامتحانات غير مسلّحة بثقتي بالنجاح. لم أفهم هؤلاء الذين يضعون أنفسهم في مواقف تهددهم بالرسوب. لعلّهم لم يخافوا من الفشل. أنا خفت منه. فلنضع جانباً الأنظمة التعليمية العتيقة التي ولدت في القرن الماضي وما زلنا نعتمد عليها، نستعيد هذا الخوف اللذيذ الذي تتوارى خلفه حماسة خجولة، حماسة اختبار الذات بعد عام من تلقّي العلم. أما الشعور الأجمل، فهو التوق إلى التحرّر من الواجبات اليومية والتمتع بالأيام المنفلتة من الروتين، أيام أصبحت بكاملها ملكنا.
]]>