جليس المتنبي في العصر الرقمي هل يصلح «كيندل» ما أفسده الدهر وشركاه؟

جليس المتنبي في العصر الرقمي.. هل يصلح «كيندل» ما أفسده الدهر وشركاه؟

[caption align="aligncenter"]جليس المتنبي في العصر الرقمي.. هل يصلح «كيندل» ما أفسده الدهر وشركاه؟جليس المتنبي في العصر الرقمي.. هل يصلح «كيندل» ما أفسده الدهر وشركاه؟[/caption]

على أواخر شهر يونيو/حزيران المنصرم، زفّت وسائل الإعلام العربية ومنصاتها، نقلا على الأرجح عن بيان صحافي وزع عليها، زفت لجمهور قرائها وروادها أن «أجهزة أمازون كيندل» باتت «تدعم (رسميا) اللغة العربية». بالطبع، لا يكفي الواحد من الناس (والواحدة) أن يفك حروف العربية وكلماتها، أو حتى أن يكون من مستخدمي الكمبيوتر، وسواه من التقنيات الرقمية الحديثة، ليفك ما تعنيه الجملة أعلاه، لا سيما ما تفيده من صلة مفعولية، يعبر عنها فعل «دعم»، بين جهاز كذا صفته وبين العربية… وإذ هو كذلك، فحق أمازون، عملاق التجارة الإلكترونية والاتصالات (وسواها) الأمريكي، ألا يهتم وألا يبالي، بل من حقه في سبيل مزيد من النكاية ومن الاستفزاز أن يتمثل بما نقشه البحتري يوما في صخر العربية من نقش لا امحاء له: «علي نحت القوافي من مقاطعها وما علي لهم أن تفهم البقر» نعم، يمكن الواحد إن شاء أن يطالع الخبر أعلاه («أجهزة أمازون كيندل» باتت «تدعم [رسميا] اللغة العربية») بعين أخرى تتوسل ما لديها من معرفة بأن «كيندل» هو اسم جنس أطلقته شركة أمازون على ما طورته ابتداء من عام 2007 من ألواح قراءة إلكترونية، وبأن المراد، في هذا السياق، من فعل «دعم» (الذي من معانيه بالعربية التأييد والنصرة والإسناد)، هو، ببساطة، أن هذه التقنية تغلبت على المعوقات التي حالت، لحين، بينها وبين أن تضوي تحت جناحها اللغة العربية وإنتاجها الكتبي بل قل إن هذه التقنية التي من طبيعتها العموم والتسوية وبرد النواتئ استعلت على خصوصيات اللغة العربية، شأنها في الاستعلاء على خصوصيات لغات أخرى، وعولمت، بالمعنى التجاري للكلمة لا بمعنى الوجاهة والأبهة، إنتاج العربية الكتبي. بخلاف ما قد يتوهمه الواحد منا (والواحدة) من حرب لا هوادة فيها بين هاتين القراءتين للإعلان نفسه، ليس الأمر كذلك، فإنما تصف هاتان القراءتان واقع حال قائم لا مبدل له، ولا تصفان موقفين من المسألة نفسها: في عالمنا هذا لا تخيير بين أن يفقه المرء ما تعنيه، مثلا، عبارة «هذا البرنامج يدعم اللغة العربية»، وبين ألا يفقه ذلك: «الهوة الرقمية»، أي ما ترجمناه إلى العربية ب«الهوة الرقمية»، هو المسألة ولب اللباب وبيت القصيد، وعلى هذا المعنى يفترض أن يحمل ما سبقنا إليه من قول بأن أمازون (وأنداده من عمالقة العولمة)، لا يبالي بمن يستطيع أن يؤلف من مفردات غريبة عجيبة من مثل كيندل ودعم وعربية جملة مفيدة ومن لا يستطيع: فأمازون يبني على أن أهل الفسطاط الرقمي هم الغالبون مهما تأخر غلبهم، وأن لغتهم هي الغالبة مهما تعذرت على ألسنة البعض، أما شعاره، مهما بدا في الأمر من تكلف، فما قاله الجاهلي عمرو بن براقة يوما: «فلا صلح حتى تعثر الخيل بالقنا وتضرب بالبيض الرقاق الجماجم». هي حرب إذن، لا ريب في ذلك ولا شك: هي حرب، والأرجح أن الغالب فيها معروف سلفا، لسبب يكاد أن يكون من باب تحصيل الحاصل: لا حيلة للمغلوب في مدافعة الغالب إلا بأن يتمكن من الأدوات التي استصنعها الغالب، وحسنها، لتكون له اليد العليا. مقوله: الغالب غالب حتى إن دارت عليه الدوائر وغلب… تحت هذا العنوان، عنوان الغلبة المتحققة للثقافة الرقمية، غلبة لا عودة عنها مهما استولى الحنين لدى البعض إلى ما قبلها، تحت هذا العنوان فحسب، يتنفس السؤال عما قد يضيفه دخول أمازون إلى سوق الكتاب العربي معنى ما. فأمازون، للتذكير، ولا عيب في ذلك، ليس جمعية خيرية همها البر والإحسان ونشر الكلمة الطيبة، وإنما عملاق تجاري يبيع من خلال حوانيته الإلكترونية كل ما يخطر وما لا يخطر على بال. كذلك، لربما يستقيم أن يصاغ السؤال بصيغة أخرى: هل من رجاء يرجى بأن يؤدي دخول أمازون إلى سوق الكتاب العربي على متن كيندل، (وما يفترضه الترويج للوح القراءة هذا من توفير كتب، بالقطع المناسب، يشتريها صاحب اللوح على نية مطالعتها)، هل من رجاء بأن يؤدي ذلك (1) إلى رفع مستوى صناعة الكتاب العربي بحيث يداني معايير الجودة التي تعتمدها كبرى دور النشر لا مميزة في هذا بين كتاب ورقي وكتاب إلكتروني؟ (2) إلى زيادة نسبة المطالعة في العالم العربي وهي، كما لا نحتاج إلى تذكير، نسبة لا ترفع الرأس ولا الجبين؟ (35 ساعة هو، وفق آخر الإحصاءات، المعدل الوسطي لعدد الساعات التي يقضيها العربي/العربية في المطالعة). (3) إلى الإعلاء من شأن القراءة في الفضاء العام كمصدر من مصادر المعرفة وملتقى افتراضي يتتابع من خلاله السجال العام؟ أقل المتوقع من شركة من قبيل أمازون أن تكون قد أخضعت استثمارها في «دعم كيندل اللغة العربية» لحسابات جدوى لا تخرم ولا شائبة فيها، وأن تكون قد أحصت على قرائها العرب والقارئات ميولهم وأذواقهم؛ ولعل الشاهد على هذا وذاك هو أن إطلاق لوح القراءة يرافقه توفير 12000 كتاب عربي، منها ما هو للتحميل المجاني ومنها ما هو للشراء. خلاصة القول: ما كان لأمازون أن تدخل السوق العربية لولا ما تتوقعه من إقبال على سلعها هذه، وتصريف ما تقترحه أمازون على قرائها بالجمع مبرر وأكثر: فاللوح ليس من شيء يذكر إلا متى ما شحن بالكتب، ولا وصول للكتب إلا من طريق الاتصال بالإنترنت وتنزيل هذه الكتب. من نافل القول إن تقنية كيندل تفترض للكتاب الذي يقرؤه اللوح قطعا معينا لا يشاركها فيه سواها من التقنيات، بيد أن حديث القطع الكيندلي شأن آخر ندعه الآن جانبا فلا نحرف عن وجهة الأسئلة الثلاثة التي سألناها أعلاه. لا ندعي، بالطبع، جوابا جازما عن هذه الأسئلة الثلاثة التي لا تعدو، في الحقيقة، أن تكون تنويعا على سؤال واحد أحد مداره على محل الكتاب، اليوم وفي مقبل العقود، بين أمة «إقرأ»، بيد أن التردد في اقتراح جواب أو جوابات، لا يمسك عن المغامرة في الجواب الصريح عن سؤال رابع تنفتح عليه هذه الأسئلة الثلاثة: هل تطمح أمازون، في رأس ما تطمح إليه، أن تبيع العربوفوني الذي يملك ثمن اللوح (حوالي مئة دولار أمريكي تزيد أو تنقص)، ويملك بطاقة الائتمان التي يستطيع بموجبها أن يشتري ما يحلو له من الكتب تبيعه فكرة القراءة المطورة التي يتيحها هذا اللوح، أم تطمح أن تبيع منه اللوح بوصفه الهوة للتفاخر يضيفها العربوفوني ذاك إلى مجموعة الألهوات التي يملكها، والتي قلما يجد الوقت للهو بها؟ الأرجح، حد اليقين، أن نصب عيني أمازون، (وشركاها)، أن تحقق أعلى نسبة مبيعات ممكنة، وحقها ذلك، فماذا نصب عينيّ العربوفوني المقبل على اقتناء لوح كيندل؟ وعلى م التعويل بأنه لن يخلط بين لوح كيندل ولوح كندر أو ما يعادل الكندر؟ ٭ روائية وناشرة من لبنان جليس المتنبي في العصر الرقمي: هل يصلح «كيندل» ما أفسده الدهر وشركاه؟ رشا الأمير

]]>

m2pack.biz