خاتونات العراقي محمود عبود في مهرجان صيف الفنون بالشارقة

خاتونات العراقي محمود عبود في مهرجان صيف الفنون بالشارقة

[caption align="aligncenter"]خاتونات العراقي محمود عبود في مهرجان صيف الفنون بالشارقةخاتونات العراقي محمود عبود في مهرجان صيف الفنون بالشارقة[/caption]

بغداد – «القدس العربي»: لا يأبه الفنان محمود عبود بالمعايير الفنية بقدر تقديم كل ما هو جمالي وعجائبي في لوحاته. تنبع هذه العجائبية من خصائص عدّة، أولها أنه يعيد بناء المرأة وجسدها ضمن قيم خاصة بعيداً عن الأبعاد المنطقية نسبة للمكان الذي تحلُّ فيه، فالتضخيم بؤرة مركزية في لوحاته، ليعيد من خلاله رسم خاتون بغداد بترفها وغنجها والدلال الذي يضفيه على ملامحها، حتى لتبدو أنها تملك العالم بيديها في لحظة من التجلي التي لا تتكرر. يبدو هذا واضحاً في معرضه الأخير «قصص من النهرين الذي أقيم ضمن فعاليات صيف الفنون في الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة. المعرض الذي أقيم في العشرين من الشهر الحالي كان من المؤمل إقامته في التاريخ نفسه من الشهر المقبل، إلا أن فعاليات صيف الفنون قررت تقديمه لشهر كامل، وهو ما سبب إرباكاً لعبود، فقدم أعمالاً قديمة، لكنها لم تعرض سابقاً، ما عدا عمل واحد أنجزه قبل المعرض بأيام معدودات. يتحدث عبود لصحيفتنا، قائلاً إن تغيير الموعد سبب له إرباكاً بالعمل، و»لم استطع إكمال الكثير منها، ما اضطرني لعرضها وهي غير مكتملة، في حين لم أتمكن من عرض الكثير من الأعمال التي كنت بحاجة لبعض الوقت لإكمالها، لهذا اضطررت لعرض أعمال قديمة لم يعرض أغلبها سابقاً، وهي من أسلوبي القديم». عرض عبود لوحاته في قاعتين ببيت تراثي إماراتي قديم يدعى «بيت الشامسي»، يقع في قلب منطقة الفنون القديمة، أو كما تسمى «مركز المدينة القديم». حاول في أعماله التي عرضها تقديم أفكار متنوعة، لكن بأسلوبين مختلفين، فقدّم في القاعة الأولى أعماله التي عرف بها في السنوات الأخيرة، وهي تشتغل على الخيال والفنتازيا مع أعمال بورتريه للموناليزات، منها موناليزا بغداد وموناليزا الفرات، سعى في هذه البورتريهات إضافة مسحة من التعبيرية الرومانسية، فضلاً عن عرض الصورة بأسلوب البورتريه القديم الدائري الشكل مع إدخال عناصر عراقية كالطوق من التمر أو السعفة، كما في موناليزا العراق، في حين كانت اللوحة الأخرى من مدينة البصرة، وهو عمل غير مكتمل لكنه اضطر لعرضه فقط من أجل اكتمال سلسلة الأفكار التي أراد أن يقدمها، أما العمل المهم في هذا المعرض والجديد كلياً، فهو لوحة (شط الحلة، الخاتون ونوارسها) والتي كانت بقياس 96x160cm زيت على القماش. ومن الملاحظ أن هذا العمل استحوذ على إعجاب اغلب الحضور من الوسط الثقافي العربي الذي كان حاضراً في المعرض. أما القاعة الثانية، فقد ضمت أعمال عبود القديمة، كان قد رسم اغلبها قبل أربع سنوات، تتراوح بين التعبيرية والرمزية، ويمكن ملامسة بدايات انتقاله إلى الواقعية السحرية بعد أن كان متردداً في تبنيها منذ عام 2001 الذي رسم فيه أول أعماله بهذا الاتجاه، و»لكن في هذه المرحلة تستهويني العجائبية في الرسم لأنها الأقرب إلى نفسي، ولغناها التعبيري والرمزي الكبير الذي يسمح لي بحرية الدخول إلى عوالم عجائبية مثيرة قابلة للتوالد بصيغ متعددة تخدم ما أريد أن أقدمه بكل الغنى اللوني والإنشائي». المرأة هي عالم عبود الأثير، فهو عالم ما زال يثريه بالأفكار ويرسم له ملامح جديدة في كل مرة، حسب ما يقول عبود، ذلك «بسبب غناه التعبيري وحضوره الاجتماعي الطاغي على حياتنا على الأقل، في أعمالي الحالية ما زالت المرأة هي المسيطرة على أغلب مواضيعي، ربما قد تتغير المعادلة وأشاركها الرجل بنفس القيمة المعنوية التي تحملها المرأة عندي في المستقبل القريب، إلا أنني قررت إكمال سلسلة الخاتون التي ابتدأتها في العام 2010، وهو اسم السيدة العراقية في الحقبة العثمانية وما بعدها، لكن هذه المرَّة جاءت الخاتون من الحلة في مشهد مسائي صيفي، رسمت المرأة فيها، أو بطلة العمل أكثر نحافة من السابقات وبنظرة حالمة، لكنها كانت تمتلك ثقة بالنفس أكثر من الخاتونات السابقات، مع تفاصيل حليِّة أخرى من البيوت إلى النهر فضلاً عن بقية التفاصيل الواضحة في عملي الأخير». ربما تمثَّل لوحة «خاتون الحلة» اشتغالاً مغايراً في أعمال عبود وتطوراً ملحوظاً، فهو يرفد أعمال ويدعمها بالخيال والفنتازيا، ساعياً من خلالهما لإغناء المخيلة التي يحاول توظيفها في كل مرَّة لاستعادة طفولته وذكرياته وحارته التي عاش فيها حينما بدأ يحمل فرشاة ليخطط لوحته الأولى، ليأتي فيما بعد ليلون لوحاته بحكايات مضت، أو أحداث تاريخية منسية يحاول أن يستعيدها، و»يمكن أن تكون موضوعاً رائعاً لعمل فني أمرره بأسلوب يخرج عن التقليدية المملة، وهو هاجسي الكبير دوماً، وأعلن للمرة الأولى أنني مقبل قريباً على أعمال كبيرة الحجم ضمن هذا السياق الخيالي والسحري المرتبط بالواقع أساساً». أما الجديد الذي سيبدأ به عبود بعد سلسلة الأعمال المعارض السابقة، سيبدأ التفكير فيه بعد الإجازة الصيفية، التي من سيتمكن فيها من الاسترخاء والتفكير والمراجعة بالمقارنة مع أعماله السابقة، وما سيقدمه في المستقبل من جديد، و»التفكير عن جدوى ما يقدمه من أعمال ومدى استمرارية تقبلها من جمهور المتلقين الذي يهمني الاستمرار بتقديم كل ما هو جميل ومبهر له، وتقديم منجز ثقافي يمس هويتنا العراقية وتاريخنا ويلامس عواطفه وتحقيق ذاته التي يراها من خلال هذه الأعمال الفنية». ولد عبود في مدينة الحلة، مركز محافظة بابل، في العام 1962، دخل عالم التشكيل منذ سن مبكرة، إلا أن كثرة أسفاره غيّرت من ملامح لوحته، فحاول أن يقدم شخصياته بملامح متميزة، رابطاً بين الانطباعية والرمزية والواقعية السحرية، ليخرج بأعمال تشتغل على العجائبية. أما شخصيته التي يكررها في أعمال كثيرة (الخاتون) فهي مستوحاة من شخصية المرأة العراقية التي كانت سمة بارزة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي. أما لوحته «الخاتون البغدادية» فقد حصدت الجائزة الأولى في معرض الإمارات للفنون التشكيلية في شهر آذار/ مارس من العام 2012 حين أعلنت جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، خلال حفل اختتام معرضها السنوي العام بدورته الحادية والثلاثين، عن أسماء الفائزين بجائزة مسابقة المعرض، وحصل على المركز الأول في فئة الرسم والنحت، لينتج بعدها أعماله الشهيرة: خاتون دجلة، الجمعة صباحاً، استراحة فوق السطح. صفاء ذياب

]]>

m2pack.biz