أزمة الإسلام السياسي في كردستان

أزمة الإسلام السياسي في كردستان

أزمة الإسلام السياسي في كردستان

في صيف عام 2015 قدّم حزب الاتحاد الإسلامي الكردستاني مشروعاً حول «استقلال الإقليم» لرئيس الإقليم مسعود بارزاني. واعتبر الحزب أن استقلال كُردستان هدف استراتيجي للحزب بحسب البرنامج الذي طرحته في مؤتمر الحزب عام 2012. ووفق رؤية الاتحاد الإسلامي، فإن الظروف الإقليمية والدولية، في ظل التحالف الدولي لمحاربة «داعش» وتمكن قوات البشمركة من السيطرة على قسم كبير من الأراضي المستقطعة من كردستان، توفر العامل الزمني المناسب للاستقلال. على أن الحزب كان يرى أنه ثمة شرطين ضروريين للانخراط الفعال في هذه العملية، يتضمن الأول تنشيط العملية السياسية ضمن الإقليم، والآخر أن يكون استقلال الإقليم عبر التفاوض مع القوى السياسية العراقية في بغداد.
منذ قُرابة عقدٍ وحتى الآن، فإن حزب الاتحاد الإسلامي الكردستاني، الذي يعتبر الامتداد الكردي لحركة الإخوان المسلمين، يحمل أجندة سياسية وخطابية وأيديولوجية قومية، تزاحم الأحزاب الكُردية القومية التقليدية. كذلك صار حزباً لا يستطيع أن يحيا خارج السلطة، بالذات الحكومة الإقليمية، فهو بتنظيماته وأجهزته الرديفة يعتمد على السلطة و مؤسساتها التي تعتبر أساس تنظيمات الحزب.
فوق ذلك، صار حزب الاتحاد الإسلامي، مثل بقية الأحزاب الإسلامية الكردية، يستشعر أن الدولة المركزية في العراق تُصبح «دولة شيعيّة» بقرارها المركزي وسُلطتها الرمزية وخياراتها الإقليمية وأن الإقليم الكُردستاني سيفتقد صبغته ال «سُنية» بالتقادم، لأنه سيغدو خاضعاً للسلطة المركزية.
القومية والسلطوية والطائفية صارت من خصائص الأحزاب الإسلامية الكردستانية، وهي بهذا المعنى تغدو فاقدة لتمايزها عن بقية الأحزاب في كل دول المنطقة. من حيث نبذها للقومية وبقائها في المعارضة وخطابها الديني الفوقي.
***
تُعتبر الأحزاب الإسلامية جزءا من الحياة السياسية والعامة في إقليم كُردستان العراق، وهي سارت في سياق تاريخي طويل إلى أن وصلت إلى حال الاندماج في الحياة السياسية العامة الراهنة بكُل شروطها الخاصة، واحتاجت لوقت أقصر لتتخلى عن خصائصها، وتتحول إلى أحزاب تقليدية.
كانت الحركة الإسلامية بدأت بمُزاحمة الحركة القومية الكُردية مُنذ أواسط الثمانينات، حين تأسست الحركة الإسلامية عام 1987 وبدأت بخوض العمل المُسلح ضد النِظام العراقي، مُتخلية عن أفكار حركة الإخوان المُسلمين في كُردستان العراق، التي كانت ترفض العمل المُسلح. ثم مرت الحركة الإسلامية في مسارين تقليدين، تُمر بهُما أغلب الحركات الإسلامية الجنينية عادة.
فمن جهة انفرزت عنها التيارات العُنيفة المُتطرفة، التي خاضت كل أشكال العُنف المُجتمعي والسياسي، كجماعة أنصار الإسلام. ومن جهة أخرى انشق تيار سياسي «سلمياً» عن الحركة الإسلامية التي ما لبثت أن اندمجت بالحياة السياسية في الإقليم بأكثر من حزب، بعدما مرت بدورها بتحولات فكرية وأيديولوجية وسياسية عديدة. وهي تُشكل مُجتمعة نموذجاً سياسياً مُتمايزاً عن تجارب بقية الأحزاب الإسلامية في المنطقة.
على أن هذه الأحزاب الإسلامية الكُردستانية كانت تمتاز عن نظيرتها القومية الكُردية والأيديولوجية العمومية بثلاث خصائص تجعل دراستها والتوقعات بشأن رؤيتها ومستقبلها مُختلفة تماماً عن بقية الدراسات التي تتناول الحركة السياسية الكُردية.
لم تُسيطر الأحزاب الإسلامية الكُردستانية على حيز جُغرافي شاقولي، بل كانت التيارات السياسية الوحيدة المُمتدة بشكلٍ أفقي في كامل الجُغرافيا الكُردستانية. بقيت الأحزاب الإسلامية الكُردستانية متوازنة في تمثيلها الجماهيري/ المناطقي، فنسبة التأييد لأحزابها السياسية تكاد تكون متساوية في أي من المُحافظات الثلاثة، وفي المناطق الكُردية في مُحافظتي كركوك والموصل. بهذا المنعى فإن الأحزاب الإسلامية الكُردستانية لم تكن مُستقطبة وغير خاضعة لفروض الهيمنة الجغرافية لأي من الأحزاب الكُردستانية.
كذلك، لم يكن أي من الأحزاب الإسلامية الكُردستانية «حزباً سلطوياً»، حتى قبل سنوات قليلة. فهي على رُغم مشاركتها في الحياة السياسية الكُردستانية مُنذ قُرابة رُبع قرن، ومُشاركتها في البرلمان والعديد من الحكومات الإقليمية التي تشكلت، إلا أن أيا منها لم ينل سمة «الحُكم الحقيقية»، فجميع أشكال مُشاركتها كانت نسبية للغاية، وذات سُلطة ممنوحة من الأحزاب المركزية المُسيطرة على الحياة العامة. ما نقصده هُنا أن هذه الأحزاب الإسلامية لم تكن لها هيمنة على الحياة العسكرية والأمنية والاقتصادية والبيروقراطية التي لحزب السُلطة، ولم تكن حتى كالتي لحركة التغيير الكُردية، التي على رُغم عدم هيمنتها العسكرية والأمنية على أي من القطاعات، إلا أنها تملك نفوذاً معنوياً وأدبياً داخل قطاعات البشمركة التابعة لحزب الاتحاد الوطني الكُردستاني.
على أن هذه الأحزاب الإسلامية الكُردستانية صارت تملك مواقف سياسية تتمتع بالحماية والاستقلالية الكاملة عن الحزبين المركزيين، ولها العديد من المؤسسات التنظيمية والإعلامية والاقتصادية والسياسية التي تتطلب تغطية شهرية ضخمة، وهو ما تطلب أن تغطيه من خلال اندماجها في مؤسسات الدولة، خصوصاً الاقتصادية والبيروقراطية في ظل اقتصادٍ نفطي ريعي مثل الذي لإقليم كُردستان العراق، حيث للتضخم المريع لأجهزة «الدولة» أن يغطي كُل شيء.
أخيراً، فإن الأحزاب الإسلامية الكُردستانية فقدت كُل إمكانية وقدرة لما يمكن أن تقوم به الأحزاب الإسلامية التقليدية في منطقتنا، فيما خص استخدام العُنف والانقلاب على الحياة العامة ونشر الأيديولوجيات والبرامج المُتطرفة على المُجتمعات المحلية لأسباب كثيرة، على رأسها عدم ارتباط الإسلام السياسي الكردستاني بنظيره الإقليمي والدولي، فهي ليست مُمثلاً محلياً لأية حركات أخرى، كتنظيمات الإخوان المُسلمين والتيارات السلفية المُتطرفة. فالأحزاب الإسلامية الكُردستانية تملك علاقات عامة وتعاطفاً وجدانياً وسياسياً مع التنظيمات النظيرة لها في الدول الأخرى، إلا أنها مُستقلة عنها سياسياً ومالياً وتنظيماً، لأسباب معقدة، على رأسها بقاء الحركة القومية الكردية فاعلة وحيوية.
الأحزاب الإسلامية باتت تؤمن بأنها جزء من الحياة السياسية في الإقليم، وتعي تماماً طبيعة اللعبة السياسية في الإقليم، وكذلك موقع الإقليم وظروفه وموقعه الإقليمي والوطني، شواغله ومشكلاته، المركبة والمتداخلة بشكل مُعقد للغاية، على كل المستويات والديناميكيات، لذا فأنها لا تستطيع أن تقدم نفسها كأحزاب معارضة ذات مظلومية، لأنها أساساً غارقة في كل تفاصيل الحكم، كذلك لا تستطيع أن تنقلب على الحياة السياسية وتنزع عنها الشرعية. وفي المحصلة الأحزاب الإسلامية الكردستانية لا تستطيع أن تدعي أنها تملك أي شيء بديل من أية تيارٍ سياسي آخر.
* كاتب سوري.

m2pack.biz