أفكار متجانسة 17من اصل17
وإنه لفي وسع كلا الجانبين اليوم أن يقضي على الأقل على نصف سكان الخصم بما فيهم القسم الأكبر من طبقة القياديين أيضاً) في يوم واحد. على أن التفكير بأن مثل هذه الإبادة العامة ممكنة استحال إلى بديهية. والحق أن لدى الجانبين كليهما ناساً يناضلون لكي يمنعوا آخر الأعمال الجنونية. وإنهم لمجموعات من رجال ونساء يتمسكون بتقليد العلم والإنسانية والأمل. على أن ملايين الناس استسلموا لعملية التوحش، وأكثر الناس يرضون بكل شيء وهم جماد لا يحسون ولا يبالون ويهربون إلى تفاهات الحياة اليومية. ومما يؤسف له أن فقدان الأمل والتوحش المتزايد ليسا بالشرين الوحيدين اللذين نزلا بالمدنية الغربية منذ سنة 1914. إن سبباً آخر يتعلق تماماً بأعظم منجزاتها. فالثورة الصناعية زادت الإنتاج المادي بحيث أتيح لأكثرية سكان الغرب مستوى معيشي كان قد عده معظم الناس قبل مئة سنة أمراً بعيداً عن التصور. على أن إشباع حاجات واقعية مشروعة أدى إلى إشباع دافع قوي هو دافع “اشتهاء السلع” أو “النهم السلعي”. وإن لدى الإنسان المعاصر رغبة قوية في امتلاك أشياء جديدة واستعمالها، وهي اشتهاء يسوغه بأنه تعبير عن رغبة في حياة أفضل، مثله في ذلك مثل بشر يعانون من اكتئاب وكثيراً ما تتملكهم الرغبة التي لا تقاوم في اقتناء أشياء، أو في حالات أخرى الرغبة في أن يأكلوا شيئاً ما. ومع أن الأشياء التي يشتريها الإنسان المعاصر لا تغني حياته بصورة غير مباشرة فإنها، كما يدعي، تخدمه لكي يوفر وقتاً. على أنه لا يعرف في مثل هذه الأحوال ما ينبغي عليه أن يفعل بالزمن الذي يوفره، وينفق قسماً كبيراً من دخله لكي يتقل الوقت الذي وفره بملء الاعتزاز.
ونرى هذه الظاهرة في أوضح صورة في أغنى بلاد العالم، أي في الولايات المتحدة، على أننا نجد من دون شك الاتجاه نفسه في كل البلدان الأخرى أيضاً. ويعني الهدف اليوم وفي كل مكان إنتاجاً أعلى واستهلاكاً أعلى. وإن مستوى الاستهلاك مقياس النجاح. وينطبق هذا على الاتحاد السوفيتي كما ينطبق على الدول الرأسمالية.