أفكار متجانسة 19من اصل19

أفكار متجانسة 19من اصل19

أفكار متجانسة 19من اصل19
أفكار متجانسة 19من اصل19

والحق أن العصيان قطع دابره تقريباً في مجتمع البشر المنظمين، أياً كانت العقيدة (الأيديولوجية) التي يمثلونها. على أنه ينبغي ألا يغيب عن البال أن القدرة على العصيان فضيلة كبيرة أيضاً كالقدرة على الطاعة. وعلى المرء أن يتذكر أن التاريخ الإنساني يبدأ بعمل العصيان طبقاً للأساطير العبرية واليونانية. ولما كان آدم وحواء لا يزالان يعيشان في جنات عدن كانا جزءاً من الطبيعة ومثل الجنين في رحم الأم. ولم تتفتح أعينهما إلا حين جرؤا على أن يعصيا أمراً. وأدركا أنهما كانا غريبين عن أنفسهما وأن العالم خارجهما وقف منهما موقفاً عدائياً غريباً. إن عمل العصيان فتت الارتباط الأولي بالطبيعة وجعلهما فردين. وكان عصيانهما أول عمل من أعمال الحرية وبداية تاريخ الإنسانية. كما أن بروميتويس الذي سرق النار من الآلهة هو أيضاً “خارجي منشق”. لقد آثر أن يقيد ويصلب إلى الصخرة على أن يكون الخادم المطيع للآلهة. ولما أنه سرق النار فكانت هذه هديته للإنسانية، إذ أنه وضع بذلك الأساس للمدنية. وعوقب على عصيانه كما عوقب آدم وحواء؛ على أنه هو أيضاً، مثله مثل آدم وحواء، جعل التطور الإنساني ممكناً. فالإنسانية طورت نفسها من خلال أعمال العصيان. ولا يعني هذا أن تطورها الروحي لم يكن ممكناً إلا لأنه كان هنالك ناس جرؤوا على أن يقولوا باسم ضميرهم أو إيمانهم “لا” للأقوياء. كما أن التطور العقلي كان واقفاً على القدرة على العصيان، عصيان سلطات حاولت أن تخنق أفكاراً جديدة وعصيان سلطة ذات آراء دامت طويلاً وأعلنت أن كل تغير عبث وسخف.

فإذا شكلت القدرة على العصيان بداية التاريخ الإنساني فمن الممكن أن تشكل الطاعة نهايته. ولا أعني هذا بالمعنى المجازي أو المعنى الأدبي. وهناك الإمكانية أن يدمر الجنس البشري نفسه والحياة كلها على الأرض في خلال العشر سنوات التالية وحتى الخمس عشرة سنة القادمة. ولا عقل في هذا ولا معنى. على أن الواقع هو أننا نعيش من الناحية التقنية في عصر الذرة، على أن معظم الناس لا يزالون يجدون أنفسهم على الصعيد الوجداني في العصر الحجري،

m2pack.biz