أفكار متجانسة  22من اصل22

أفكار متجانسة  22من اصل22

أفكار متجانسة 22من اصل22
أفكار متجانسة 22من اصل22

وكتب شيللر (في رسالة إلى لوته) في السابع والعشرين من أيلول سنة 1788: “ليست الدولة إلا أثراً أو نتيجة لقوة الإنسان وليست إلا عملاً فكرياً، على أن الإنسان مصدر القوة نفسها ومبدع الفكرة.” وفي مسرحية “دون كارلوس” يتكلم بوزا (Posa) بصفته “مندوباً عن الإنسانية كلها”. “… فميله كان العالم بكل أجياله الآتين”.

وإننا لنجد التعبير الأعمق والأكمل عن هذه النزعة الإنسانية في فكر غوته. إن بطلته إفيغيني تتكلم بصوت الإنسانية مثل أنتيفوني الكلاسيكية. وحين يسألها ملك البرابرة:

أتظنين أن البربري المتوحش

يسمع صوت الحقيقة والإنسانية التي لم يسمعها آتريوس اليوناني؟

تجيبه:

إنه ليسمعها كل واحد

ولد تحت كل سماء وكل

من يجري في صدره نبع الحياة

حراً صافياً.

وفي الخامس عشر من آذار سنة 1799 كتب غوته إلى يوهان ياكوب هو تينغر: “في اللحظة التي يكون فيها المرء مهتماً في كل مكان بأن يخلق أوطاناً جديدة يكون الوطن موجوداً في كل مكان وليس في مكان وذلك في نظر الذي يفكر بنزاهة ويستطيع أن يتخطى عصره”.

على أن التاريخ سلك طريقاً أخرى رغم هذه الأفكار لأعظم مثل للحضارة الغربية: فالقومية أو الوطنية أماتت النزعة الإنسانية وتحولت الأمة وسيادة الأمة إلى صنمين جديدين خضع لهما الإنسان الفرد خضوعاً مطلقاً.

على أن العالم تغير فيما بين هذا وذاك. فثورة الشعوب المستعمرة والملاحة الجوية والمذياع وغيرهما جعلت الكرة الأرضية تتقلص إلى حجم قارة أو بالأحرى حجم حكومة من قبل مئة عام. على أن العالم الواحد الذي كان على وشك أن يولد ليس مديناً للعلاقات الودية الأخرى بين مختلف أصقاعه، بل للواقع أن صواريخ يمكن أن تحمل الموت والدمار خلال ساعات في كل صقع من العالم تقريباً. وهو، إلى الآن، عالم واحد لأن المسألة هي مسألة ميدان أو معترك ممكن لا مسألة نظام جديد. صحيح أننا نعيش في عالم ما، إلا أن إنسان اليوم لا يزال يعيش تبعاً لحسه وتفكيره في دولة قومية. ولا يزال يحس أنه في المقام الأول تابع لدولة مستقلة ذات سيادة لا عضواً في الإنسانية.

m2pack.biz