«أوتشو أبييدوس باسكوس» يحقق أعلى نسبة إيرادات في تاريخ السينما الإسبانية …نجاح ظاهرة السينما الإسبانية مبني على الهزل والسخرية من الذات

«أوتشو أبييدوس باسكوس» يحقق أعلى نسبة إيرادات في تاريخ السينما الإسبانية …نجاح ظاهرة السينما الإسبانية مبني على الهزل والسخرية من الذات

«أوتشو أبييدوس باسكوس» يحقق أعلى نسبة إيرادات في تاريخ السينما الإسبانية …نجاح ظاهرة السينما الإسبانية مبني على الهزل والسخرية من الذات

مدريد «القدس العربي»: دخل فيلم «أوتشو أبييدوس باسكوس» ويعني بالعربية ثمانية أسماء عائلية باسكية، تاريخ السينما الإسبانية من بابه الواسع، محققا أعلى نسبة من الإيرادات منذ نشأتها في شبه الجزيرة الإيبيرية.
والفيلم يتميز بطابعه الكوميدي الهزلي، عالج فيه المخرج موضوعا محليا إسبانيا صرفا، بل أنه نقل تمثلات الرؤى والتصورات الهزلية والتشخيصية ما بين الجنوب والشمال، أي ما بين جهتين مختلفتين في كل شيء، ثقافيا، بيئيا، اجتماعيا، اقتصاديا وسياسيا.
فالفيلم الذي أخرجه إميليو مارتينيث لاثارو، نجح في كسب ثقة المنتجين واستفاد من حملة دعائية إعلامية في البداية، سرعان ما تم تعويضها بدعاية فردية من المشاهدين أنفسهم، حتى حطم رقم نسبة المشاهدة التي كانت في حوزة فيلم «الآخرون» للمخرج أليخاندرو آمينابار، ونسبة المداخيل التي سجلها خوان أنطونيو بايونا بفيلمه «المستحيل».
ويحكي الفيلم قصة رافا (داني روبيرا) شاب أندلسي، ينحدر من مدينة إشبيلية، قرر اللحاق بشابة باسكية تدعى أمايا (كلارا لاغو) بعد التعرف عليها في مطعم، إثر مشاجرة معها لاحتجاجها على السخرية من الباسكيين التي يتقنها عادة أهل الجنوب… وعند وصوله لأرض الباسك التي تختلف تماما عن منطقة الأندلس يجد نفسه غير مرحب به من طرف الفتاة، فيقع في مشاكل من دون قصد، بعد رميه سيجارة في حاوية للأزبال واشتعالها بالنار، ليجد نفسه في المعتقل مع عناصر من حركة إيتا الباسكية… لكن حضور والد الفتاة المفاجئ ورغبته في التعرف على خطيبها الذي تركها، من دون سابق إعلان جعلها تذهب للبحث عن الأندلسي في مخفر الشرطة، بعد أن كانت قد أنكرت أي صلة به.
ولتقديمه للأب عليه أن يغير من مظهره ولكنته وأسلوبه في الكلام وتسريحة الشعر واللباس مع الكوفية الفلسطينية في العنق، ويحاول إقناع الأب أن أصوله باسكية وأنه يتوفر على شجرة عائلية باسكية تضم ثمانية أسماء، ويؤدي تعرفه على ميرتشي (كارمن ماتشي) وهي أرملة من مدينة كاسيريس تقع في غرب إسبانيا يقدمها على أساس أنها أمه، حتى لا ينكشف أمره، وتقطن على مقربة من منزل الفتاة ووالدها (كارا إيليخالدي) الذي سرعان ما ينغمس معها في علاقة ليكتشف، وهو الرافض لكل ما هو إسباني، صورا لزوجها الراحل الذي يعمل في الحرس المدني الإسباني.
فيلم إميليو مارتينيث لاثارو يجمع بين ثنائي متناقض في الطبع والسلوك والذوق ويجعلهما يتفاهمان في الأخير، فالفيلم يوظف الكوميديا الرومانسية لمحو أفكار مسبقة وذلك بإظهار أن الباسكيين ليسوا عنيفين، كما يراهم أهل الجنوب في متخيلهم وحكاياتهم الشعبية، وأن الأندلسيين، ليسوا كسالى كما هو منتشر عند أهل الشمال، وأن الحب بين الطرفين يمكن أن ينتصر، على الرغم من وجود العديد من الأحكام المسبقة والمزحات حول العادات والتقاليد التي يتقنها الإسبان.
كوميديا ​​توظف النكتة من أجل النكتة، بأسلوب سهل ومن دون تعقيدات، صاغها بجدارة كبيرة كل من كاتبي السيناريو بورخا كوبياغا ودييغوسان خوسيه، حيث نجحا في إثارة معنى وضرورة أن يسخر المرء من صورته ويرى وجهه في المرآة، ولو كان ذلك حسبما يعتقده الآخر عنه .فقد عرفا كيف يصلان للهدف ويدخلان غمار كوميديا رومانسية خارج المألوف، من دون خوف أو وجل، للفت الانتباه عبر الهزل بمواضيع الإرهاب والعنف المسلح والصخب، والشهية والإسراف في الشمال …
لقد ترك المخرج إميليو مارتينيث لاثارو صاحب «الجانب الآخر من السرير» مجالا للسيناريو وللممثلين، خاصة أن الفيلم مليء بالنكات والسخرية والصور النمطية الإقليمية، الشيء الذي منح الفيلم حيوية وجذبا للمشاهدين من مختلف الأعمار.
وترك الفيلم الذي وصفه النقاد الإسبان بالظاهرة مواقف متباينة، حيث اعتبر البعض أنه نجح في تذويب جليد الاختلافات ما بين الشمال والجنوب، وجعل الجمهور يتصالح مع القاعات السينمائية الإسبانية، واستعاد نسبة من المشاهدين بعد أن هجرت القاعات السينمائية ، بل استطاع أن يجذب جمهورا عاديا دخل للسينما خصيصا لمشاهدته .
ورأى آخرون أن الفيلم جاء للسخرية من الباسك وتكريس الصورة النمطية التي ما فتئ سكان الجنوب يروجونها مع النظام القائم، وأن الفيلم نسخة مطولة من حلقات سلسلة «بايا سيمانيتا»، أي «يا له من أسبوع» الذي تبثه قناة «إي تي بي»، وبرامج النميمة في القناة الخامسة..
لقد استفاد الفيلم من المناخ العام الذي يتمثل في الأزمة التي تعصف بإسبانيا، والتي إن كانت أقل حدة في منطقة الباسك والشعور العام بالرتابة وحاجة الجمهور إلى ما ينسيه الأزمة التي كانت لها انعكاسات ليس على الجانب الاقتصادي والاجتماعي فحسب، بل مست في العمق الجانب النفسي الذي أثر فيهم وكان لا بد من الخروج من الغم، وإن اقتضى ذلك الضحك على الذات .
كما منحت التغيرات التي تعيشها منطقة الباسك حرية أكبر للخوض في موضوع ذي حساسية، خاصة بعد المخاض الذي عرفته مسيرة الشد والجذب بين منظمة إيتا الانفصالية والدولة الإسبانية، وتخلي إيتا عن استعمال السلاح … ويمثل الفيلم انتقادا مبطنا للسلطة التي غلّبت الهاجس الأمني، حيث تجعل من أشخاص عاديين أبطالا باعتقالهم، وسخرية من سهولة اختراق أعضاء المنظمة وحيرتهم .كما يتطرق الفيلم إلى البرود العاطفي العائلي، لقطة وصول الأب ولقائه بابنته، ثم تصرفات الفتاة التي تغلب عليها الصرامة والجدية مع الشاب الأندلسي، الذي تم تقديمه شخصا ساذجا وعاطفيا.
الفيلم كان مباشرا جدا في معالجته وخلا من جماليات الإبداع السينمائي، لكنه تميز بجودة التصوير، رغم وجود لقطة تظهر بأنها افتراضية وتتعلق بالتغير المناخي للجو أثناء سفر البطل ودخوله للنفق ..إنه فيلم لم ينجح في تحقيق المعادلة الصعبة، أي بين الرهان التجاري والحس الجمالي، ورغم فوز ممثليه بجوائز غويا، حيث فاز داني روبيرا بجائزة أفضل ممثل صاعد، وكارا إيليخالدي بجائزة أحسن دور رجالي والممثلة كارمن ماتشي بأفضل دور نسائي، فإن الفيلم لم يتمكن من حصد أي جائزة تذكر، سواء في الإخراج أو التصوير أو السيناريو رغم ترشيحه لذلك، لأنه كان موجها للاستهلاك التجاري في تناوله، ولم يكن فيلم مهرجانات ….
وعن أداء الممثلين أعلن مخرج الفيلم، أنه على الرغم من أن علاقته بهم في البداية كان يلفها الغموض، لأنه لم يعمل مع أي منهم من قبل، إلا أن كارا كان ممثلا منضبطا جدا وموهوبا جدا، وكارمن كوميدية لها تجربتها، وكلارا كانت اكتشافا وشخصيتها سرعان ما تطورت بشكل هائل أثناء التصوير، ويتوقع المخرج لها مستقبلا مذهلا. في حين أن داني الممثل الصاعد، يعرف كيف يسيطر على خشبة المسرح، وكان له دور صعب مع تغييرات في أسلوب الكلام والمواقف المسلية جدا. وكشخص فإنه مدهش لقد جاء داني متواضعا… وبالنسبة له كانت خطوة جديدة وخلق شخصية ليست لها علاقة بأعماله الفردية السابقة.
كما أن الفيلم ساهم في الترويج للسياحة في المنطقة. كما هو الحال بالنسبة للإنتاجات الكبرى الأخرى، وخلق طريقا سياحيا يضم الأماكن التي تم التصوير فيها، وجذب زوارا جددا إلى بيئات غير مألوفة في بلاد الباسك، حيث عرفت أماكن مثل غيتاريا، سومايا وإلى ليتثا بإقليم نافارا، والجيوب الطبيعية لأرغويتيا، البلدة الخيالية التي مرت بها جل أحداث الفيلم انتعاشا سياحيا غير مسبوق لزيارة أماكن الفيلم والتعرف على المواطنين الذين تعاونوا بنشاط في تصوير الفيلم. .وحقق الفيلم رقما قياسيا في تاريخ السينما الإسبانية، سواء من حيث عدد المشاهدين، الذي فاق التسعة ملايين مشاهد، أو المداخيل التي بلغت 62 مليون يورو، تاركا وراءه فيلم «الآخرون « للمخرج أليخاندرو آمينابار، الذي قاد القائمة من قبل ب6.410.561 متفرجا، محققا 27.254.163 يورو. وفيلم «المستحيل» الذي أخرجه خوان أنطونيو بايونا سنة 2001 ب 6.124.698 و42.386.171 يورو ، «كان للموت ثمنه» سيرخيو ليون (1966) ب5.520.971 متفرجا ، «مغامرة كبرى» لمورتادلو وفليمون (2003) ب4.985.983 يورو.
خالد الكطابي

m2pack.biz