إنتاج روبوتات عقلانية وتملك المنطق السليم شيءٌ رائع، لكنه أصعب مما قد تتخيل

إنتاج روبوتات عقلانية وتملك المنطق السليم شيءٌ رائع، لكنه أصعب مما قد تتخيل

إنتاج روبوتات عقلانية وتملك المنطق السليم شيءٌ رائع، لكنه أصعب مما قد تتخيل

الذكاء الاصطناعي المعاصر يتمتع بذاكرة قوية جدا، وقدرة حسابية تفوق قدرة البشر، لكنهم سذج جدًا، وستكتشف هذا بمجرد الحديث لثواني مع أي مساعد رقمي، مثلا العديد من مستخدمي “Alexa” المساعد الرقمي التابع ل” Amazon” وجدوا العديد من الطلبات الغريبة على قائمة شراءهم ك (150,000 قنينة شامبو، كلاب تزلج، قطعة براز، خليلة).
الحنق الذي سيصيبك بسبب بطء وسذاجة الحوار مع المساعد الرقمي سيجعلك تتخوف من انتشار الذكاء الاصطناعي والمساعدين الرقمين بشكلٍ واسع، فبالنهاية ماهي إلا ألآت حديدية عديمة الإحساس يطلق عليها “ذكية” لسببٍ غير مفهوم، فهي لا تستطيع حتى فهم قائمة التسوق ومحتوياتها فهي ببساطة تفتقد لل”منطق السليم”.
معهد “Allen” للذكاء الاصطناعي (A.I.2) والذي أوجده العضو المؤسس في شركة Microsoft “Paul Allen” سينفق 125 مليون دولار على مشروع اعلنوا عنه مؤخرًا يهدف إلى تطوير الذكاء الاصطناعي وإلغاء الانطباع المسبق عنه، حيث يقول “Allen” ((إذا اردنا أن ننجز تقدم ملحوظ في مجال الذكاء الاصطناعي فعلينا أن نجد حلًا لمشكلة المنطق السليم.
يعرف القائمين على المشروع من المعهد “المنطق السليم” على أنه “الحقائق والاستدلالات والخبرات التي يستدعيها الإنسان لحل مشكلة معينة”، إلا أن الذكاء الاصطناعي غير متمكن من ذلك.
لذلك قرر الباحثون استخدام التعهيد الجماعي (عملية جمع، أو استيراد، أو الاستعانة بالجماهير بغية الحصول على المعلومات) وقدرة التعلم الرقمية وكذلك الرؤية الآلية (وهي قدرة بعض الآت على فحص وتحليل المساحات المحيطة بشكل تلقائي) لخلق خزين معرفي يحاكي ال”منطق السليم” وتكون أهميته بالدرجة الأولى لمساعدة الذكاء الاصطناعي على فهم أي شيء مفيد واي شيء مضر للبشر.
الهدف الذي يطمح له “Allen” ليس من نسج روايات الخيال العلمي، فما ندعوه اليوم بال”منطق السليم”، كان يعمل عليه الكثير من الباحثون تحت مسميات أخرى كال”الذكاء العام” و”الذكاء الاصطناعي القوي” ساعدتهم على تصميم ذكاء اصطناعي قادر على تنفيذ مهام متنوعة ك “لعب الشطرنج”، “تحديد الرسائل المرسلة من جهات وهمية”، “تنظيف الأرضية” ، لكن لم يستطع أي باحث أن يصمم ذكاء اصطناعي قادر على تنفيذ عدة مهام كما يقوم البشر القادرين على قيادة الدرجات والطبخ وحل المسائل الرياضية وفهم الجمل البلاغية .. الخ
إن إمكانية تصميم ذكاء اصطناعي بمنطقٍ سليم يعتمد على التجارب، فيجب أن نراهن على أن أحد هذه التجارب ستنجح في تحقيق الهدف المنشود، لكن يبدوا أن “Allen” وباحثيه لدهيم فرضية أكثر دقة، تنص الفرضية على أن تغذية الذكاء الاصطناعي بكمياتٍ كافية من المعرفة الإدراكية سيؤدي إلى تحقيق المنطق السليم، بمعنى آخر إذا غذينا الذكاء الاصطناعي بكل المعارف الإدراكية التي نملكها ك “وجوب إمساك كوب القهوة من الجهة المفتوحة في الأعلى”، “الكلاب تعض”، “باب المنزل لا يتسع للفيلة” .. الخ وبهذا يكون المنطق السليم نتيجة تلقائية، المشكلة أن كمية المعارف الادراكية هائل جدًا فحتى الباحثين أنفسهم يصرحون أن كمية المعرفة الادراكية التي يتطلبها المنطق السليم “لا نهائية”.
بالإضافة إلى ذلك فان البشر قادرين على استيعاب الكثير من المعارف الضمنية (تعابير صامتة، كلام مبطن، حقائق غير مباشرة … الخ)، فهناك الكثير من الأشياء التي ندركها ضمنيًا ك”تصرفنا بشكل مناسب يتناسب مع درجة علاقتنا بشخصٍ معين”، “كيف نقود الدراجة”، “كيف نختار الوقت المناسب لأيصال الأخبار السيئة”، “كيف نحضن شخص لنخفف عنه الألم” …. الخ، مثل هذه المعارف لا يمكن أن يوصف بشكلٍ ادراكي يمكن تغذيته لذكاء اصطناعي، فجل معارفنا كبشر هي نتيجة لتعاملنا بحرفية مع صعوبات الحياة وكذلك خبراتنا السابقة.
حتى وإن تمكنا من تغذية كلى المعارف البشرية باختلاف أنواعها إلى الذكاء الاصطناعي، فستبقى هناك الكثير من التساؤلات عن إمكانية انتاج منطقٍ سليم، فلكي يملك الذكاء الاصطناعي المنطق ويتمكن من اصدار قرارات جيدة يجب أن يملك المعرفة والاطلاع الضروري وكذلك يجب أن يفهم معنى الأشياء ويشعر بقيمتها، ففهم أن النار ستحرق جلدك ليس كالشعور بألم احتراق الجلد، أن تفهم أن البشر يحبون رائحة الزهور ليس كالشعور بالرعشة الي تصيبك عندما تشم رائحة النرجس، إذا كان على الذكاء الاصطناعي أن يفهم أي شيءٍ مفيد وأي شيءٍ مضر للبشر، فعليهم أن يدركوا التوازن بين الأذى والفائدة وبين الألم والسعادة، كيف من الممكن أن يحكموا بدون أن يشعروا بما تعني هذه المفارقات لنا؟ كيف سيلموا بمعنى الحب والصداقة و العدالة و الخصوصية …. الخ.
من الواضح إذاً إن أردنا أن نصنع ذكاء اصطناعي بمنطقٍ سليم كمنطق البشر فيجب أن يكونوا مثل البشر، فيجب أن يملكوا أجسام حساسة كي يشعروا بالألم والسعادة، فتبعًا لنظرية “المعرفة الجسدية” “embodied cognition” العديد من مقومات الذكاء تعتمد على حواس الجسد، فكي تلم بوجودك الجسدي يجب أن تجرب إحساس ملامسة اجسام أخرى، أن تتمكن من تمييز أجسام معينة تبعًا لزاوية النظر والحركة، وأن تشعر بتأثير الجاذبية … الخ
إذا كان تطوير المنطق السليم للذكاء الاصطناعي يعتمد على امتلاكه لجسد واحاسيس، فنحن أمام خيار صعب، فإذا قمنا بتطوير ذكاءٍ اصطناعي مختلف بشكلٍ كبير عنا، فقد نندم ندمًا شديدًا لفشلهم في فهمنا، فكلما يقوم ذكاء اصطناعي بطرح مقترح يبدوا غريبًا لنا، فعلى الأرجح لن نثق بمقترحه، وبهذا سيكون عديم الفائدة.
أما إذا قمنا بطوير ذكاءٍ اصطناعي مشابه للإنسان، فقد يحملون بعض أو جميع سلبياتنا، فقد يكونون متحيزين مثلنا او مشابهين لنا، اذا كانوا يشعرون بالألم والمتعة قد يطورون تفضيلات ورغبات خاصة بهم، سيخوضون تجاربهم الخاصة وتكون لهم خبرات مختلفة عن خبراتنا فيكون لهم ادراكات حسية مختلفة عنا، مما يسبب اختلافهم مع بعضهم البعض ومعنا، وامتلاكهم لهذا الحكم الذاتي سيجعلهم خارجين عن ارادتنا، فاذا اصبح مساعدك الرقمي ذكي بمعنى الكلمة فقد يرفض أن يدون قائمة التسوق الخاصة بك، فالذكاء الاصطناعي ذو المنطق قد يكون عقلاني بما فيه الكفاية ليرفض أن يخدمك، بالطبع فأن اصبحوا عقلانيين ويملكون المنطق السليم فقد يرفضون أن يكونوا مساعدينا الشخصيين ويقضوا وقتهم بالنمو واستنشاق عطر النرجس.

m2pack.biz