استعادة “بالنسبة لبكرا شو” لزياد الرحباني إنعاش للذاكرة أم تشويه لها؟

استعادة “بالنسبة لبكرا شو” لزياد الرحباني: إنعاش للذاكرة أم تشويه لها؟

استعادة 'بالنسبة لبكرا شو' لزياد الرحباني.. إنعاش للذاكرة أم تشويه لها؟

منذ 35 عاماً حتى الأمس القريب، كانت مسرحية “بالنسبة لبكرا شو؟” للمبدع زياد الرحباني، عبارة عن تسجيل مسموعٍ يقدّم أصوات الأبطال تاركاً للمتلقي حريّة تخيّل أشكال الشخصيات ورسم الاماكن والديكورات، أمّا اليوم وبعد طول انتظار أُفرِجَ عن الأشرطة المصورة.
“المسرحية ستُعرض على الشاشة الكبيرة”، الخبر كان له وقع المفاجأة على اللبنانين فتسارعوا لحجز التذاكر.
تهافتوا من مختلف المناطق، تغافلوا عن همومهم المتراكمة، حملوا حنينهم وقَصَدوا قاعة السينما حيث غص المكان بالحضور من كلّ الفئات والأعمار، كلٌّ قبع على كرسيِّه وراح يتبادل أحاديث جانبية بانتظار بدء العرض.
يرتفع صوت الاعلانات ممهدا لاستهلال الفيلم-المسرحية، فترتفع معه دقات القلوب، جميعهم انتظروا هذه اللحظة طويلاً، هنا امرأة تنقر باصبعها على حافة الكرسي، وهناك رجل خمسيني يفرك كفّيه كمن يستعدّ لأمر يثير بهجته، وفي الصفوف الأمامية حبيبان يتقاربان ويتهامسان فيضحكان. يفوق شعورُ انتظار الحدثِ الحدثَ نفسه.
يبدأ العرض، يعمّ الصمت، تشخص العيون، وتترامى الى المسامع أصواتٌ مألوفة، وإلى الأبصار شخصياتٌ غريبة، التصوير بدائي الصورة سيئة الصوت رديء ، لكن لا يهم، هذا مُتوقع، أحدٌ لم يأتِ ليحكم على تقنيات العرض، الكلُّ جاء يستذكر ماضياً وينبش ذكرياتٍ ويستعرض مخزوناً تراثياً ترافق والأجيال حتى أصبح جزءاً لا يتجزأ من تكوينهم الثقافي.
تدور أحداث المسرحية في بيروت، وتروي قصة زكريا (زياد الرحباني) وزوجته ثريا (نبيلة زيتوني) اللذين انتقلا من قريتهما للسكن في المدينة والعمل في حانة بهدف تأمين مصاريف العائلة، لكن نتيجة غلاء المعيشة اضطرت ثريا وبموافقة زوجها إلى الخروج مع الزبائن مقابل بدل مادي غير أنّ الأوضاع ازدادت سوءاً وآلت إلى الكثير من التعقيدات، فتفجّر غضب الزوج وفقد أعصابه وارتكب جريمة بحق أحد الزبائن، ما أودى به إلى السجن تاركا ثريا وحيدة في مواجهة تحدّيات الحياة، في مشهد تراجيديّ ترفّ له الأجفان.
بين الدراما والكوميديا، تنتقل مَشاهد المسرحية، مقدّمَةً استعراضات غنائية بصوت رفيق درب زياد الرحباني الراحل جوزيف صقر، الذي تقمّص دور القروي الساذج (رامز) وتناغم في الأداء مع زكريا وقارعه في استحسان اعجاب الجمهور.
على مدى ساعتين ونصف الساعة، يمضي المشاهدون في مراقبة أبطال المسرحيّة، هذا نجيب شاب شهم لكن سريع الغضب وذاك أنطوان مدير الحانة وهو مهووس بمراقبة المصاريف والرواتب، وذلك رضا شاب صاعد يسعى إلى التثبيت في عمله، إلى جانبه يقف الاستاذ أسامة، شاعر متفلسف لا يكفّ عن استعراض أعماله العبثيّة، كلّها شخصيات تحاكي الواقع المعيوش، حالُها حال الأحداث المتسارعة، فمن يسمع الحوار يظنّ لوهلة أنّ العمل كُتِبَ حديثاً نظراً لتماشيه مع الحاضر.
خلال المتابعة، ترتفع أصوات الحضور لتسابق الأبطال في أداء أدوارهم، ورغم أن المشاهدين حَفَظوا السيناريو عن ظهر قلب إلا أنّ القاعة تضجّ بضحكاتهم!
عرض المسرحيّة مصورة له قيمة معنويّة قبل أي شيء آخر، هذا العمل الذي وحّد اللبنانيين في أوج خلافاتهم منذ أكثر من ثلاثة عقود يعود اليوم ليجمعهم من جديد.
وفي الآلية، أقدمت ليال الرحباني آنذاك على تصوير عروض المسرحية بواسطة كاميرتها الخاصة بطلب من شقيقها زياد بهدف مراقبة الأداء، كونه المخرج ومشاركاً في التمثيل، ولم يكن أمامه من حيلة غيرها لمراقبة العرض وتدوين الملاحظات، وقد تمّ اقتطاف المشاهد من أكثر من عرض وتركيبها خلال عملية المونتاج ما يبرر تبدّل الملابس في المشهد الواحد، وفي عام 2012 أُرسلت المسرحية إلى لوس أنجلس لتنقية الصوت والصورة، استغرق العمل 4 سنوات من المشاق قبل أن يبصر النور مطلع عام 2016.
قد يصعب اعتماد الموضوعية عندما يتعلّق الأمر برحابنة لبنان، فتسقط المآخذ وتتلاشى الثغرات، وحدُه الحنين يظهر في عمل يصحّ وصفُه بالثروة التراثية.

m2pack.biz