الأشكال العلاماتية وقابلية التأويل في أعمال التشكيلية السعودية منى سنبل

■ تعتمد الفنانة التشكيلية منى سنبل على اختيارات تشكيلية جمالية دقيقة، تروم من خلالها إحداث أشكال فراغية في أعمالها تدججها بخطوط وعلامات ورموز، وتختزل بعضا من المساحات لتنسج مجالا منظما، خفيف الألوان تحكمه الرمزية وتدعمه الأشكال العلاماتية التي تفتح المجال لتعددية القراءة وقابلية التأويل.
وهي تبني الفضاء وفق غايات فنية مستمرة تطرح من خلالها البعد الجمالي في صيغ متعددة، وتتفاعل مع المعطيات التشكيلية المعاصرة، برصيد معرفي تشكيلي ينبثق جله من مجالها الفني والتعبيري، ومن الرؤى الفكرية التي تمتح مقوماتها من النسيج الثقافي المحلي.
فللواقع بعد حقيقي في تراسيمها التشكيلية، وهي توظف تجربتها التشكيلية بتحويل أبجدية الأشياء بحسية وأسلوب تعبيري متنوع المضامين. وتتخذ من الأشكال والخطوط المنعرجة والخطوط المتنوعة الاتجاهات بؤرا لتمرير خطابات فنية ذات مضامين مثقلة بمعان ودلالات متنوعة.
وتشكل معظم المفردات التشكيلية المتخمة في الفضاء نسيجا تسلسليا تتحكم في تدبيره، وتمرره المبدعة منى عبر مكونات لونية دقيقة وعبر أشكال تمثل مادة أيقونية للتعبير عن خلجاتها وشعورها بإلهام تتوخى به السحر الفني التجريدي العميق الدلالة، وهي سمة تلوح أنوارها في إبداعاتها الفنية، ترسخها التفاعليات والجماليات المتنوعة، على مستوى المادة اللونية المتنوعة والموظفة وفق ما تقتضيه أعمالها وتفرضه تصوراتها؛ حيث تخصب المجال وتبعث فيه موتيفات تشكل تعبيرا عن رِؤيتها الفنية وتصوراتها المختلفة التي هي بدورها تتبدى بشكل مباشر وصريح، وتتفاعل مع المعطيات التشكيلية المعاصرة.
والفنانة منى سنبل توظف أسلوبها التجريدي البديع بتقنيات عالية وبأبعاد فلسفية، تنبثق أساسا من مجالها التعبيري الخصب، ونسيجها الثقافي المتعدد المشارب، ورصيدها المعرفي التشكيلي المتنوع، الذي تنسج من خلاله وشائج من العلاقات التحاورية تشكل بها المادة التشكيلية، وتتراءى بين كتل خفيفة من الرموز والعلامات والألوان الباهتة أحيانا والقوية أحيانا أخرى، في سعي منها إلى إيجاد صيغ من الانسجام بين مختلف العناصر المكونة لأعمالها، وهي لا تقتصر في عملية البناء هذه على تلك الوشائج فحسب بل تضفي عليها شحنات من المقومات والعناصر المترابطة والمتصلة بالفضاء مباشرة من المساحات المحجبة لخلق روابط بين كل المواد، وتعمل على التعبير بطرق غير مباشرة لتصل من المخفي إلى البارز وفق وهج فني وجمالي تقدم به صورة عن صياغة التجريد وتمظهر محتواه بأسلوب بهي يحقق للقارئ التفاعل مباشرة مع بواطنه.
وكل ذلك يتبدى جليا من خلال طُرقها المختلفة في عملية التوظيف التي تغطي مجمل مساحات الفضاء، على الرغم من كونها تحكمها الانطباعية، والتلقائية أحيانا.
إن مجال التشكيل في أعمال الفنانة التشكيلية منى سنبل يتميز بنسيج أدائي مركب، تظهر فيه التعبيرات القيمية وتُستجلى فيه المكنونات الغائصة في عوالم إبداعية فلسفية متناسقة ومترابطة. إنه نهج يمتح مقوماته من معالم محلية وطقوس تشكيلية تترصد القاموس التشكيلي التجريدي المعاصر، وبمفردات تستمد وجودها من تصورات المبدعة ورؤاها التي تتوخى من خلالها إرساء مقومات أداتية، ولبنات خاصة لعملها الفني الإبداعي المبني على أسس من الحجب والرموز والعلامات التشكيلية المختلفة وعلى أسرار.
وإن هذا التوجه الذي يروم هذا المنحى التعبيري، يؤسس في العمق لأسلوب يعتمد نهجا تفاعليا حضاريا كبيرا. فمن خلاله تجسد داخل أعمالها أشكالا وأنماطا وعوالم جديدة، تؤثث لمنحى فني تشكيلي تجريدي تفاعلي معاصر، يضطلع بتقاطعات حوارية وفلسفية مع جوهر الفن التشكيلي وعمقه، في وضع فني راق يفضي إلى قراءات وتأويلات متعددة ترتكز على وحدة الدال.
وتتحرى في منجزها تأطير هذا الأسلوب التشكيلي في سياق تجربة فنية تجريدية معاصرة. ناطقة بجملة من المعاني التي تنتج عن الأحاسيس والمشاعر العميقة الدلالات، وتتبدى فيها تعبيرات قيمية وكتل خفيفة من الألوان الزاهية الرائقة التي تلعب دورا محوريا في توجيه أعمالها نحو البعد الجمالي ونحو مسار إبداعي جديد، وذلك عن طريق الطلاء الخفيف باللون الكلي حينا والجزئي حينا آخر، ومن خلال نسج خيوط وإحداث خطوط بألوان متنوعة ومختلفة، تحرك الفضاء باستعمال مختلف الصيغ الفنية، والعناصر الأداتية وهي في جوهرها وسائل نسيجية، وفي نفس الحين أفقا تعبيريا وتصوريا ورؤيويا، تقدم من خلاله الفنانة التشكيلية منى سنبل مواد تشكيلية تجريدية تعبيرية تنطق بالعديد من المعاني المحسوسة. إن تصميماتها الفنية تتبدى فيها الفطرية والعفوية والانسيابية، باستعمالات لونية وتقنية مائزة تساهم في بناء أشكال جديدة ذات دلالات ومغازي عميقة تؤهلها لارتياد عوالم التشكيل المعاصر من الباب الواسع.
٭ كاتب مغربي
الأشكال العلاماتية وقابلية التأويل في أعمال التشكيلية السعودية منى سنبل
محمد البندوري