كثيرًا ما يُردد المُطورون وبعض روّاد الأعمال على مسامعنا عبارات تُفيد معنى واحد فقط يدل على أن نهر الأفكار الجديدة نضب تمامًا، رافعين بذلك علم الاستسلام ومانعين الأفكار الإيجابية أو الإبداعية من الدخول إلى حياتنا بشكل تام.
وقد تكون وجهة نظرهم صحيحة لو نظرنا حولنا، فهناك شبكات اجتماعية مثل فيسبوك وتويتر، وهناك شبكات مُتخصصة مثل انستجرام وسناب شات، وهناك تطبيقات للمحادثات الفورية مثل واتس اب أو هانج آوتس، وهناك تطبيقات لبث الفيديو مثل يوتيوب أو بيري سكوب، والكثير من الأفكار التي سوف تجد لها على الأقل تطبيقين أو ثلاثة تقف ورائهم شركات كبيرة جدًا.
أي باختصار، حتى ولو فكّر المُطور أو رائد الأعمال في منافستهم، فإن الأسماء المُرعبة التي تدعمهم أو تقوم بتمويلهم كفيلة بزعزة أي ثقة أو أمل في نفوس البعض.
هذا الأمر دفع البعض للجلوس والانتظار مُتخذين وضعية انتظار الفريسة، فبما أن الأفكار الحالية نضبت فيجب ترقّب التقنية الثورية القادمة التي تعقب التجربة الاجتماعية للانقضاض عليها وتنفيذ الأفكار المُختلفة لها.
وهُنا نحتاج للإجابة بشكل صريح حول ماهية التقنية القادمة، هل هي الطائرات دون طيّار Drones، أم الواقع الافتراضي أو المُعزز؟ هل هي الذكاء الصنعي، أم الرجال الآليين؟ كل هذه الأسئلة تحتاج إلى ترقّب كبير قبل تحديد الإجابة الصحيح، وهو ما يقوم به البعض للأسف في الوقت الحالي.
لكن الواقع يدل على غير ذلك تمامًا والتقنية الثورية القادمة موجودة فعلًا الآن بيننا، ولفهم المعنى الذي أريد إيصاله دعوني أقص عليكم حادثة حصلت قبل عقد أو عقد ونصف من الزمن.
في عام ٢٠٠٢ تقريبًا بدا الإنترنت أو الويب إن صحّ التعبير وكأنه أصبح مُشبعًا بجميع الأفكار، وجميع الشركات الكُبرى مثل ياهو أو AOL حجزت لنفسها مكانًا لا يُمكن زحزحتها منه، دون نسيان جوجل التي توجهت في تلك الفترة لتكون مُحرك البحث الأوحد على الإنترنت، ومتجر أمازون الذي اعتبر مثالًا للمتاجر الإلكترونية على الإنترنت.
وبدأ الجميع في تلك الحقبة بانتظار التقنية الثورية التي سوف تأتي بعد الويب، فكل الأفكار أصحبت موجود بالفعل، منتديات هناك المئات منها، ساحات دردشة كذلك. برامج للمحادثات الفورية متوفرة، خدمات بريد إلكتروني ظهرت من شركات كبيرة، مُحركات بحث توفّرت، وأي مشروع إلكتروني جديد اقتصر على تلك الأفكار ولم يحمل أي نوع من الابتكار بشكل عام.
وريثما كان الجميع في انتظار حقبة ما بعد الويب، تفاجئ الجميع بظهور الجيل الثاني من الويب، Web 2.0، الذي غيّر شكل الشبكة بشكل شبه كامل، فظهرت لدينا الشبكات الاجتماعية وتعززت التجربة التشاركية بشكل أكبر.
جميع المواقع الجديدة مثل فيسبوك، لينكدإن أو ماي سبيس اعتمدت على المُستخدم كمصدر لتوفير المُحتوى، ولا يجب أن ننسى أن ظهور تقنية أجاكس Ajax غيّر من طريقة تحديث الصفحات والمُحتوى بداخلها، وبالتالي أخذت المواقع شكلًا جديدًا وحصلت بذلك على بريقها من جديد.
ظهور الجيل الثاني من الويب يعني بشكل أو بآخر أنه وبينما كان الجميع ينظرون نحو اليمين، جاء الحل من الناحية المُقابلة، فلم تكن هناك تقنية ثورية، بل كان هناك تحسين لتقنية حالية وإضافة بعض الخصائص عليها، أي أن التقنية الثورية جاءت اعتمادًا على التقنيات الحالية.
وبالعودة إلى وقتنا الراهن وفي ظل كثرة الأصوات التي تقول أن عصر التطبيقات والهواتف الذكية انتهى، جاءت لعبة بوكيمون Pokemon Go لتُسكت هذه الأصوات، فبعدما اعتدنا أن نشاهد تطبيقات مثل فيسبوك، واتس اب، أو يوتيوب تتصدر قائمة أفضل التطبيقات في المتاجر، جاءت بوكيمون لتحتل الصدارة.
ولكي لا نكرر الكلام، فاللعبة جمعت بعض المفاهيم وقدمتهم ضمن قالب جديد لم يعتد عليه المُستخدم وبالتالي نجحت في حصد تلك الشهرة الكبيرة، دون نسيان استخدامها لعلامة بوكيمون التجارية الكفيل بدفع عجلتها بقوة كبيرة.
ما حصل عند ظهور الويب 2.0 هو أن بعض الشركات نجحت في تقديم خدمات جديدة على شبكة الإنترنت المتوفرة أساسًا للجميع وبالتالي حصلت الطفرة التقنية، وما قامت به لعبة بوكيمون هو نفس الشيء، أي أن تقديم الأفكار الجديدة بعد الاستفادة من العناصر المتوفرة حولنا هو الخيار الأمثل الذي يسمح بتوفير مُنتج جديد يحصد انتباه الجميع حول العالم.
ولو اطلعنا على قائمة أفضل تطبيقات الأجهزة الذكية – منذ شهر يناير/كانون الثاني ٢٠١٦ حتى اليوم – التي تتحدث بشكل دوري لوجدنا أن هناك تطبيقات تنجح في الوصول إلى القمة بين الفترة والأُخرى، والجميل في الأمر أن تلك التطبيقات تنقسم إلى نوعين فقط، الأول تطبيقات تسمح للمُستخدم بالتعبير عن نفسه بشكل أكبر من خلال تطبيق تأثيرات على صوره أو مشاركة مقاطع الفيديو بعد تخصيص محتواها. والنوع الثاني تطبيقات للتواصل الفوري بأفكار جديدة.
باختصار، ولإيجاد الفكرة الثورية القادمة لتطبيق أو مُنتج جديد يجب علينا إمعان النظر في الأشياء الموجودة بين يدينا اليوم. هناك على سبيل المثال تطبيقات لتخزين الصور على الإنترنت لكنها لا توفر أدوات كافية للتحكم بها أو معرفة نوع الخصوصية فيها. لذا قد تكون عملية بناء تطبيق لتنظيم الصور وتخزينها على الإنترنت ومعرفة نوع الخصوصية فيها من الأفكار التي تجذب الكثير من المُستخدمين.
من وجهة نظري، لا اعتقد أننا بحاجة لانتظار التقنية الثورية القادمة من أجل بناء تطبيقات أو أفكار جديدة وتحقيق طفرة غير موجودة، فالمنصّة – الأجهزة الذكية – موجودة بالفعل، وما نحتاجه هو إمعان النظر والاستفادة من بعض العناصر والتقنيات الجديدة واستخدامهم في تطبيق يستفيد منهم بأفضل طريقة مُمكنة.