الجوائز الأدبية العربية بين الانتقائية والشفافية

الجوائز الأدبية العربية بين الانتقائية والشفافية

الجوائز الأدبية العربية بين الانتقائية والشفافية

■ تثير الجوائز الأدبية ارتباك المشهد الثقافي والأوساط الثقافية العربية، لتطرح عدة تساؤلات أهمها، هل معايير اختيار الرواية باعتبارها مفضلة لدى القراء تختلف عن معايير لجنة الحكم في الجوائز العربية؟ وما هي المعايير المتبعة في منح الجوائز، هل تغلب عليها العدالة الانتقائية والشمولية والتوازن؟ أم تحكمها الشخصنة والأيديولوجية لتغيب عنها النزاهة والشفافية؟ ولذلك في بعض الأحيان تغيب النزاهة عن لجان التحكيم، وكثيرا ما يحال التحكيم إلى لجان غير مؤهلة، فهل هذا التسطيح للرواية العربية يعود في حقيقة الأمر إلى لجان التحكيم؟ أم مجلس الأمناء الذي يختار لجان التحكيم.
وعند الحديث حول هذا الموضوع مع الناقد سيد الوكيل أكد أن أكثر الأعمال الروائية التي تفوز بالجوائز لا تحقق طلبا مقروئيًا، فتخلو قوائم «البيست سيلر» منها، وإذا أضفنا إلى ذلك غياب التناول النقدي الجاد، والاكتفاء بالمتابعات الصحافية، فلن يتبقى لنا معيار واضح لقيمة هذه الأعمال، لهذا فالكتّاب الذي يهتمون بالجوائز لا يطمحون إلا في غير الجانب المادي، وهكذا تفقد الجائزة قيمتها الأدبية أصلا، ومع الوقت، تتكون دوائر من الكتاب المحترفين نسميهم «صيادو جوائز»، وهم بارعون في التعرف إلى لجان التحكيم، وفهم اتجاهاتها وذائقتها، والتواصل معها بطرق مختلفة، أحيانا يصل الأمر لحد اختراق هذه اللجان منذ لحظة تكوينها. وآلية إنشاء اللجان تسهل لهم المهمة، فالأمين العام لا يتغير، ومجلس الأمناء لنخب بعينها، والمحكمون أنفسهم يتبادلون الأدوار بين لجان الجوائز. في الرواية مرة وفي الشعر مرة، وفي التفوق مرة، وهكذا تحولت اللجان أيضا إلى دوائر مغلقة تتبادل الأدوار في ما بينها يعرفها المتنافسون وتعرفها دور النشر، وهكذا يتم ترتيب كل شيء بالمحبة، أعرف عن يقين أن هناك كتاب وعدوا بالجوائز وحصلوا عليها فعلا.
فهناك مثلا دائرة الأكاديميين الذين احترفوا التنقل بين لجان التحكيم، ومعظمهم لم يكتب رواية واحدة في حياته، وكل علاقته بالأدب نظرية وقديمة، وبعضهم لا علاقة له بالأدب أصلا، فما معنى أن تجد في لجان التحكيم أستاذًا في التربية أو التاريخ أو الطب، حتى هؤلاء لهم أولوية في لجان التحكيم عن المبدعين والنقاد المتواجدين على أرض الواقع. وهناك دائرة مثقفي اليسار المنتهي الصلاحية، وتحكمهم معايير أيديولوجية، ويتمسكون بتيارات أدبية قديمة من بقايا الواقعية الاشتراكية والنقدية. هذه اتجاهات تفككت وعفّ عليها الزمن، والأجيال الجديدة من المبدعين لا تنظر لها بعين الاعتبار، والنتيجة هي تردي المشهد الأدبي، وكل هذا الضجيج محلي وارتجالي. أعتقد أن آليات الدوائر المغلقة، تحولت إلى مافيا ثقافية، تسترزق من الجوائز محكمين ومبدعين ودور نشر. وخارج هذه الدوائر فالمشهد الروائي مختلف تماما، مغامر ومجدد رغم تعثره وعشوائيته. يقول الشاعر والكاتب المصري فتحي عبد السميع: تذهب الجوائز إلى أفراد، إلا أن المردود يخدم الجماعة ككل، وقيمة الجائزة تقاس بالمناخ الإيجابي الذي تحققه، ونحن نفتقد تلك القيمة الحقيقية، حيث توجد دائما علامات استفهام مع أغلب الجوائز العربية، ويوجد تشكيك في النتائج، وطعن في الأهداف، فبعض الجوائز وهمية، لأنها مجرد دعاية، وبعضها مجرد هدايا أو رشاوى لأشخاص ترضى عنهم السلطة، أو يرضى عنهم أصحاب المناصب، وبعضها يذهب لمن يستحق أحيانا بهدف تجميل الصورة، والتغطية على أشخاص لا يستحقون، وغير ذلك من الأهداف التي تهدم جوهر الجائزة، وتجعلها تذهب في كثير من الأحوال إلى عكس الهدف منها، فتغيب أسماء كثيرة تستحق، وتحضر أسماء أقل جدارة أو لا تستحق. ولا شك في أن الجوائز لا تنفصل عن المناخ العام، وتتأثر بعيوبه، مثل وجود أشخاص في أماكن لا يستحقونها، والأمر ينسحب على مجالس أمناء الجوائز، ولجان التحكيم وسائر الأفراد الذين تتأثر الجوائز بهم، وهكذا يمكن أن نجد بينهم جاهلا يتواجد عن طريق المكانة التي يشغلها، لا الكفاءة التي يتمتع بها، كما يمكن أن نجد فاسدا معدوم الضمير، ونحن نسمع حكايات أليمة عن محكمين يقتسمون الجوائز مع الفائزين، أو عن التربيطات التي توجه الجائزة إلى شخص بعينه. وغير ذلك من الحكايات المأساوية التي تحوِّل الجوائز إلى هدية فردية لبعض الأشخاص لا إلى قيمة اجتماعية تلعب دورا في البناء والتطوير، بل على العكس، فحين تقدم نماذج ضعيفة أو زائفة، لا تساعد على تشجيع وتطوير الكتابة الجادة الحقيقية، بل تقود الحركة الإبداعية كلها باتجاه الزيف، وتتسبب في أضرار هائلة.
ويرى الكاتب المصري عمرو العدلي، أن الحديث حول هذا الشأن له عدة آراء، فهو دائما مرتبط بالذائقة الشخصية والأدبية للجنة التحكيم، إضافة إلى ذلك رؤية العالم وتحكم الأيديولوجية، وهناك أفراد تتحكم فيهم النزعة السطوية وآخرون تستولي عليهم التقاليد المحافظة، وبين هؤلاء وهؤلاء هناك رؤية عن العالم ربما تكون مشوشة، وأيسر رد في عالمنا العربي على أي شيء هو نفيه، أي عندما تقولين لشخص هذا العمل لا يستحق الفوز، وهناك ما هو أفضل، سيرد عليك ويقول، لا. هذا العمل يستحق بجدارة، وهو أقوى ما قُدم للمسابقة، وهو يعتبر بذلك أنه رد على السؤال، هكذا بلا حيثيات ولا إقناع. ثانيا من الذي سيتكلم في موضوع الجوائز، إما مبدع أو ناقد أو صحافي، الناقد والصحافي لا يتحدثان بصراحة في الغالب لأن ملعب التحكيم هو ملعبهم في الأساس، والمبدع لو اعترض أو حتى فتح الموضوع بشكل شخصي مع أحد يقال عنه إنه «عبده مشتاق» أي أنه يتكلم عن الجائزة لأنه لم ينلها، وهذا ليس كل شيء، بل أن هناك كاتبا كبيرا فاز بالبوكر النهائية في عام ما، وفي العام الذي تلاه وصل للقائمة الطويلة، ولكنه استبعد من القصيرة، فهاج وماج وهلل وقال إنه لم يقل لدار النشر أن تقدم له في هذه المسابقة المشبوهة! طيب هذه المسابقة المشبوهة فزت بها وصعدتك للقائمة الطويلة في العام التالي، أين الاعتراض؟ وهذا مستوى أقل شأنا من أن نتحدث عنه في مجال الأدب، ويجب على المبدع أن يتقبل النتائج النهائية، حتى لو لم يقتنع بها، وإن كان وبدا أنه من هواة الاعتراض فالأحرى به أن يعترض على جائزة فاز بها، في هذه الحالة فقط يمكنني أن أصدقه، ثم أن هناك التحكيم بشكل عام، وهناك الذائقة للمحكم، بشكل عام أنا ليست لديّ أي اعتراضات على الاختيار في معظم الجوائز الأدبية، أو بشكل آخر أقصد القول إنه ربما وجدت رواية متوسطة الجودة أو جيدة فازت بجائزة، ولكن لا توجد رواية رديئة أو سيئة فازت بجائزة كبيرة، لو اتفقنا على هذه النقطة تبقى نقطة الذائقة الشخصية للمحكم، هي كل المشكلة تقريبا أي أن بعضنا يرى أنه كان يجب أن تفوز رواية كذا ولا تفوز رواية كذا، الاختيار انتقائي، وكما أنه انتقائي من المحكم فنرد عليه نحن بانتقائية مضادة، وهنا تكمن كل المشكلة من وجهة نظري، أن كلا يبكي على ليلاه.
٭ ناقدة مصرية

m2pack.biz