الصديق والدولة الاسلامية16من اصل28
واللين في عمر موجود يظهر في مناسباته
وأولى المواقف أن يظهر فيها هذان الخلقان هو الموقف العصيب، لأنه موقف المراجعة الذي لا يذهب فيه الإنسان مع الخاطرة الأولى.
فالموقف العصيب هو الموقف الذي يراجع فيه الإنسان تفسه ويثوب إلى المكنون من أخلاقه فيصل منها إلى القرار الذي يخفى على الناس في عامة الأحوال ولا يظهر لهم للوهلة الأولى. فيشتد اللين ويلين الشديد، أو يبدو كل منهما على الحالين بجميع ما فيه من شدة ولين.
ومن ثم يبدو ما لم يكن بمعهود في عامة الأحوال..
على أن الموقف الذي وقفه عمر في حرب الردة معهود فيه إذا علمنا أن الخلق الإنساني يفسر نفسه على عدة وجوه.
فعمر متصرف بالرأي
وعمر جريء فيما يرى
وعمر وثيق الإيمان
وعمر عادل متحرج في عدله.
وهل كان موقفه من المرتدين خلوًا من خلق من هذه الأخلاق؟
ألم يكن فيه تصرف حين أراد أن يؤجل أمر الزكاة إلى يوم تتبدل فيه الأحوال؟
ألم يكن فيه جرأة حين جهر بهذا الرأي ولم يحفل بمداراته؟
ألم يكن فيه ثقة بأن الضمير إلى ثبات الإسلام، وإن ضل من ضل وزاغ في الطريق من زاغ؟
ألم يكن فيه تحرج من قصاص لم يتضح له حقه فيه حتى وضح له ذلك الحق فبطل الحرج ووافق صاحبه في كل ما ارتآه؟
فهذا هو عمر المعهود، ولكن بعد إنعام واستقصاء.
أما أبو بكر المعهود فنحسب أننا قد بيناه فما تقدم، فبينا أن ما صنع من قتال أهل الردة كان أقرب الأعمال إلى “الصديقيات” المطبوعة، وإن بدا في النظرة الأولى على غير ذلك، ونحن لا نفهم الإنسان حقًا إذا فهمنا أنه يعيش حياته كلها ولا يأتي بشيء يخالف ما عهدناه وانتظرناه. ونحن لا نستغرب الموقفين من أبي بكر وعمر إذا أحضرنا هذه الحقيقة التي هي أقمن شيء بالإحضار في دراسة النفوس الإنسانية، ويخاصة نفوس العظماء.
وقد وضح كل الوضوح أن أبا بكر كان على صواب عظيم.