3 من أصل 3
وأدارت ماريا مقعدها لتواجه آدم، وكان عليها أن تتحمل الإحساس حتى ينقضي. فذاك ما أوصت به الكتب، إذ كان فحواها: “تستطيع أن تتعلم العيش مع الإحساس”، “تحمله أطول فترة تطيقها”، “لا تهرب”، “دعه يتخطاك”، “لسوف ينقضي”، “فكر في الأفكار الإيجابية”، “تنفس بالطريقة الصحيحة”، “ثابر على اختيار المواقف التي تخفيك حتى تتغلب على المشكلة”. وكانت قد جربت الوسائل كلها. كانت تقدر أن بعض الناس لا بد من أنهم وجدوها مفيدة نافعة، ولكنها لم تجدها كذلك. الظاهر أن الأساتذة الذين كتبوا تلك الكتب لم يكونوا معها على وفاق في موجة التفكير، وأنهم غارقون في النظريات إلى حد يجعلهم لا يدركون جوهر الخبرة الحقيقة.
وأخيرا اجتذبت انتباهها قائمة الطعام. وطلبت قدرا مضاعفا في الويسكي الصافي الخالص. ولاحت الصدمة على آدم والمضيفة، ولكنها كانت مهيئة لقبول استهجانهما في سبيل التخفيف الذي قد يحدثه الشراب. ولم تكن هي في حقيقة الأمر تستطيب المشروبات الكحولية، ولكنها كانت تساعد في تبديد تلك المشاعر الغريبة، وكان هذا هو المهم. واختار آدم نبيذا طيبا. وأكلت وشربت في استمتاع، وأحس آدم بالابتهاج الواضح عند استمتاعها. وكان ذلك أفضل ما أحست به طوال اليوم.
ثم حدثت الواقعة: وبدأ قبلها يدق بسرعة أكبر. وظنت ماريا أولا أن الأمر يرجع إلى روعة المناسبة، أو لعل هناك شيئا في التوابل. ثم بلغ من تزايد سرعة قلبها أنها أحسست بالضربات في صدرها. وظنت أن آدم لا بد قد لاحظ، ثم أحسست بشعور السخونة، وكان فمها مليئا، ولم تستطع أن تتنفس بطريقة صحيحة، وضاق حلقها وأحست كأنها تختنق. ونضحت على جبينها حبات من العرق، وتصاعد من جوفها شعور باندفاع شيء نحو صدرها، ثم أعقبه شعور بشيء يغوص في أعماق جوفها. وأصبح كل شيء منفصلا، وأحست بالدوار وخفة الدماغ، ثم بشعور الهلع –ذلك الهلع العقلي.