الطفرات العقارية

الطفرات العقارية

الطفرات العقارية
الطفرات العقارية

وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف..” من أحد التلميحات للآية الكريمة في قصة يوسف عليه السلام هو أن دورات الازدهار والكساد سمة من سمات الحياة الاقتصادية وانه يتوجب على المرء التفكر فيها والتخطيط لها بشكل سليم . وأهتم الاقتصاديون بموضوع الدورات الاقتصادية منذ فترة ليست ببسيطة خصوصا بعد الثمانينات الميلادية وذلك للآثار الاقتصادية المترتبة من هذه الدورات على الناتج المحلي ومستوى التوظيف وأسعار الأصول والرفاهية الاقتصادية بشكل عام. وحاول العديد من الباحثين التنبؤ بالدورات الاقتصادية خصوصا الفقاعات في الأسواق المالية باستخدام نماذج رياضية متطورة جدا حيث يوجد الاف الدراسات في هذا المجال في فروع الاقتصاد والمالية على سبيل الخصوص لكن هذه النماذج فشلت في إيجاد منهجية علمية تستطيع أن تعطينا تحذيرات موثوقة بشان تكون الفقاعات الاقتصادية وما حصولها المفاجئ في كثير من الأسواق برغم وجود أفضل الجامعات ومراكز البحث المتقدمة والشركات الضخمة إلا دليل على غياب الية دقيقة للتنبؤ. وفي أحسن الأحوال يمكن ان تفسر النماذج الاقتصادية ما بين 20%- 40% من حركة أسعار الأصول المالية وذلك لسبيين رئيسين: أولا: أن الأسواق المالية تتأثر بعدة معطيات اقتصادية متغيره بشكل مستمر ولا يمكن التحكم بها او معرفتها بشكل محدد مسبقا , والسبب الثاني وهو الأهم في رأيي ان أسواق الأسهم والعقار لا تتبع الأساسيات دوما فهناك السلوك والغرائز البشرية المنطوية على كثير من القرارات التي تتأثر بعدة عوامل شخصية / عاطفية / اجتماعية . هذا السلوك البشري ولأسباب عديدة قد ينحرف بالأسواق عن المستويات العادلة المتوقعة لها وقد تجد أسعار الأصول قد تبتعد كثيرا عن قيمها العادلة سواء للأعلى او للأسفل ولفترات غير معلومة مسبقا وهذا ما يفسر النمو والكساد في الاسواق المالية. ففي فترات الازدهار على سبيل المثال قد يسود التفاؤل والشعور العام بإيجابية الاقتصاد مما يدفع بالمستثمرين الى رفع أسعار الأصول لمستويات عالية جدا لا تتناسب مثلا مع مستوى الدخول او مستوى أرباح الشركات أواي مؤشرات اقتصادية أخرى. والحال نفسه في فترات الركود حيث تنزل الأسعار لمستويات مغرية جدا ولكن يندر المشترون. لاعقلانية الأسواق موضوع متشعب وكتب فيه كثير من العلماء الذين فازوا بجائزة نوبل للاقتصاد ومن يحاجج بأن العقار يجب ان ينزل لأنه مرتفع او لأن مؤشر القدرة الشرائية منخفض فلينظر لأسعار الاصول العقارية في بعض العواصم حول العالم أو لينظر لمكرر الربح المرتفع لبعض الأسهم ولسنوات عديدة! والمشكلة التي يقع فيها الكثير من المحللين إما عن عدم إلمام بطريقة عمل الاقتصاد أو رغبة في تحقيق سبق اقتصادي على حساب المصداقية العلمية، أنه لا يمكن تحديد وقت أو مستوى التصحيح السعري للأسهم او العقار. وما تسمع به في بعض وسائل الاعلام من تحديد نسب تصحيح للسوق العقاري ب 70% او 90% هو مثل تخرصات قارئ الفنجان بل ربما تكون هذه الخزعبلات أكثر دقة من تلك التنبؤات الاقتصادية. وللتوضيح، فانه معظم أسواق العالم حصلت بها تصحيحات عقارية بعد سنوات من الازدهار ولتعلم عزيزي القارئ ان معظم هذه التصحيحات لم تتجاوز 20-30% من أعلى سعر. ففي تقرير لصندوق النقد الدولي وجد أنه في المتوسط تحصل التصحيحات السعرية كل 20 سنة وتستمر لمدة 4 سنوات وتنخفض فيها الأسعار حوالي 30% ولا اعلم حقيقية ما هي الأسس العلمية التي ينادي بها أصحاب انهيار العقار بنسب محددة مسبقا. وأحب ان أذكر ان ما يتناوله البعض أن هناك قاعدة اقتصادية تقول أن العقار ينهار كل 18 سنة غير صحيح علميا ولا يقول بذلك الا بعض المحللين والمدربين في برامج التدريب العقاري. والسؤال المهم هنا هل نزول الأسعار حتمي بعد كل طفرة عقارية؟ والإجابة طبعا بلا فليس كل نمو يعقبه فقاعه عقارية كما يظن البعض ففي تقرير شامل لصندوق النقد الدولي وجد فقط 40% من الارتفاعات السعرية في العقار انتهت بتصحيح سعري بينما تستمر كثير من الارتفاعات سنوات أو تهدأ بدون تصحيح “هذا قد يكون مخالف للفهم المنتشر عند الكثير”. لذا بدلا من الجزم بحركة الأسعار يجب توجيه الاهتمام حول التخطيط والتعامل مع الواقع. الاقتصادي الشهير Samuelson له جمله شهيرة حول التوقعات حيث يقول تنبأت الأسواق بتسعة من أصل خمس من دورات الركود السابقة، بمعنى أنه يمكن أن تستمر بالتنبؤ بالنزول بشكل مستمر ولسنوات عديدة وبلا شك يوم ما ستصيب وتصبح بطلا لكن مره كانت التنبؤات خاطئة ومضللة. كلنا يطمح بالحصول على منزل العمر بسعر معقول لكن لا يجب الخلط بين الامنيات وبين الواقع الاقتصادي، وحقيقة وأنا متابع لما ينشر في الكثير من الصحف العالمية والأبحاث العلمية والتقارير لا تجد طرح رصين يدعوا الى الانهيارات العقارية ويفرح ويستبشر بذلك. المحلل يجب أن ينظر الى عوامل يمكن دراستها وتحليلها مثل التوازن في السوق ودعم العرض والسياسات الاسكانية الشاملة بدلا من التركيز على متغير سعري والمراهنة عليه والذي هو نتيجة تفاعلات اقتصادية متعددة. كل المؤسسات الدولية الرصينة من البنك الدولي وصندوق النقد ومراكز الأبحاث في العالم تبني أبحاثها ودراساتها على فهم المتغيرات الاقتصادية للسوق العقارية وصنع السياسات لسوق متطورة ولا أحد ينادي بانهيار الأسعار لأنها عالية علما بان النمو السعري الحاصل في المملكة والمنطقة مشابه لما حصل في أسواق متعددة حول العالم. انهيار العقار يؤدي الى الركود الاقتصادي ويخفض حجم الاقتصاد بنسبة 8% بحسب تقرير لصندوق النقد الدولي (طبعا يختلف بسحب هيكل اقتصاد كل دولة ) كما أن له تأثير واضح على الانفاق والاستثمار بشكل كلي.

m2pack.biz