الغجرية
للغجريةِ وجهٌ من ماءٍ وسرابْ
وعيونٌ من ضحكةِ شمسٍ
تتوارى بين الأهدابْ
شَعرٌ.. ينسابُ على طُرقاتِ الليلِ
فيرتبكُ الشاعرُ في التشبيهِ
يظنُّ الأسودَ لونَ الضوءِ
وبعضُ الظنِّ صَوَابْ
وفمٌ يحتكِرُ السُكْرَ
فتبكي من فرْطِ الصحْوِ بناتُ الأعنابْ
للغجريةِ ثوبٌ
بالكادِ يلامسُ جنّتها
ليؤانسَ ناراً من شغفٍ وعذابْ
والغجريةُ بابُ النورِ
إذا أبصرَهُ العارفُ
أغلقَ في وجهِ الدنيا كلَّ الأبوابْ
نهدُكِ ليْ
دوَرَانُ القمرِ السكرانِ بدورتهِ
ليْ
ولُهاثُ حقولِ القطنِ الصاعدِ نحوَ جلالتهِ
فيَضانُ النُورِ الساخنِ من بين خيوطِ غلالَتهِ
خلخالُ الفضّةِ ليْ
شُدّيهِ على عُنقيْ
لأموتَ..
وينتصرَ الرقصُ على زمن الصمتِ
وجلْجَلةِ الأحقابْ
لكنَّ الغجريةَ بنتُ الريحِ
تسافرُ بين الأشجارِ كأغنيةٍ
وتحطُّ كحبّاتِ الطلِّ على الأعشابْ
يتبعُها نهرٌ في القلبِ
تفرَّعَ من نهرِ الزمنِ
وخالَفَ دورانَ الأرضِ وتسبيبَ الأسبابْ
حينَ أراكِ
أرى امرأةً من ماءٍ يشتعلُ
تنسكبُ الروحُ على قدميها
وتفتّحُ تحت خُطاها القُبَلُ
يرتجفُ الظلُّ إذا جاراها
فتغطّيهِ – من الوحيِ – الحُلَلُ
حين أراكِ
أرى وجهي أجملَ في مرآةِ يديكِ
وصوتي ذابَ على الثلجِ الذوَّابْ
لكنَّ الغجريةَ بنتُ الخيلِ
يطاردُها الزمنُ ليوجدَ فيها
ليكُونَ لها
ليسيرَ على إيقاعِ الكعبِ الحافي
ويُزيّنَ شيبتهُ بورودِ شبابْ
والغجريةُ..
غلْغلَةُ الشهوةِ في الأوصالِ
إذا مرّتْ تشتبكُ الأنفاسُ
وترتبطُ الأيديْ
تصطكُّ الرُّكبُ
وينسدلُ من الدمعِ حجابْ
تتبعهُ كلُّ خيامِ المنفيّينَ
وشعبٌ أدمَنَهُ الموتُ، وأدمَتْهُ الأنيابْ
للغجريةِ عاشقُها
المحكومُ بألّا تتجلَّى في عينيهِ
وألّا تسمعَ شهقتهُ المكسورةَ
ليظلَّ غريباً – أبدَ الدهرِ – على أرضِ الأغرابْ
والغجريةُ وطنٌ
لا تبلغُهُ الكفُّ
ولا تبصرُهُ العينُ
ولا يحضرُ إلّا… في ملكوتِ غيابْ
شاعر سوري
عبد الكريم بدرخان