الغزو الأخير / دارين طاطور

الغزو الأخير../ دارين طاطور

الغزو الأخير..- دارين طاطور

(1)
مُدْخَلُ الْمَدينَه
بَعْدَ لَحَظاتٍ طَويلَةٍ
تَمَكَّنْتُ مِنْ فَتْحِ عُيوني
خَيْبَتي تَسْبِقُ الْمَوْتَ وَالرِّيحُ تُشْعِلُ الرَّغْبَهْ..
في ذٰلِكَ الضَّجيجِ وَقَلَقي الْمُتَسامي
هُنا يَكْمُنُ الرُّعْبُ
أَنْ لا أُوْجَدَ ضِمْنَ حُدودِ هٰذِهِ الْمَدينهْ
ضِمْنَ حَقِّي بِأَرْضي
اَلتَّحَدِّي فُرْصَتي الْوَحيدَهْ
كَيْ أَعْشَقَهَا بِهٰذا الْعُنْفِ..
(2)
عُمْقُ الْبَحْر
صامِتٌ أَنْتَ يَا بَحْرُ..
وَأَنا الثَّرْثارَةُ الْوَحيدَهْ
أَنْكَفِئُ عَلى جُرْحِ انْتِظاري
كَلاجِئٍ يَعيشُ الْحَياةَ بِبُطْءٍ
أَحْلامُه أُمٌّ ثَكْلى وَابْتِسامَتُهُ باهِتَهْ..
تَنْتَشِلُهُ مِنْ حالَةِ النَّوْمِ..
سِلاحُهُ أُمْنِيَةٌ
نَحْوَ طَريقِ عَوْدَةٍ
تَنْسَكِبُ مِنْ مَزاريبِ الْوَهْمِ
وَتَصُبُّ في الْغَزْوِ الْأَخيرِ
يَفْتَرِشُ الْحِضْنَ وَيَنامُ مِئَةَ حُلْمٍ وَأَكْثَرْ
(3)
حَيْفا
اَلْمَسافاتُ طَويلَةٌ
وَالرُّوحُ مُتْعَبَةٌ
اَلْأَيَّامُ بَطيئَةٌ
غارِقَةٌ في غَفْوَتِها تَنْتَظِرُ..
“وَحَيْفا مِنْ هُنا بَدَأَتْ”
تَضِجُّ في أَوْرِدَةِ الْعالَمِ
أَعِدْني إِلَيْها يا رَوْنَقَ الْفُصولِ
لِأَرْتَوي مِنْ شَدْوِهَا الْأَخْضَرِ
وَأَذوبَ في مُقْلَةِ اللَّحْنِ
حَيْفا ضَوْءٌ
قالَتِ الشَّمْسُ فَلْأَرْحَلْ..
(4)
حَمامَة
اَلزَّمَنُ حَزينٌ
رَطْبٌ كَمُسْتَنْقَعٍ بِلَوْنِ الْمَرارَةِ
يَتَفَرَّسُ الْوُجوهَ
قالَتِ الْحَمامَةُ بِحَنانٍ مَسْعورٍ
لِسِرْبِها الْمَذْعورِ..
خُذوا مِنْ هَواءِ الْمَدينَةِ
زَوَّادَةً لِغُرْبَتِنا
خُذوا مِنْهُ الْبَلْسَمَ
لِلْآهاتِ الْقادِمَة
(5)
وَداع
كَطِفْلٍ يُغادِرُ الرَّحِمَ
وَيَقْطَعُ حَبْلَ سُرَّتِهِ بِأَسْنانِهِ
أُمارِسُ طُقوسَ الْوَداعِ
وَفي جَيْبِ سِرْوالي صُراخُ جَدَّتي
وَمِفْتاحُ الْبَيْتِ الْعَتيقِ
أَعيشُ عَلى شَظايا أَحْلامٍ
خَلَّفَها أَنْبِياءُ الشَّرْقِ الْجَديدِ
لِلسَّاذِجينَ
حيلَةً إِلى اللَّا شَيْءِ
عَلى سَطْحِ فِكْرَةٍ اِسْمُها الْعَوْدَةُ
(6)
ضَياع
مَعْنى الضَّياعِ
أَنْ أُولَدَ في وَطَني
وَأَشْعُرَ أَنِّي بِمَنْفى
أَقُوْلُها لَكُمْ أَيُّها الْأَشْقِياءُ
خُذوا عَنِّي دِيمُقْراطِيَّةً
رَسَمَتْ سُهادَ الْمَذْبَحَةِ
في عُيوني
وَاتْرُكوا لي دِكْتاتورِيَّةَ
امْرَأَةٍ اِسْمُها فِلَسْطينُ
بِنَظَراتِها أُعيدُ
تَأْكيدَ وُجودي
(7)
وَطَن
إِنَّهُ هُناكَ..
وَلا شَيْءَ هُناكَ سِوى نَحْنُ
نُدافِعُ عَنْهُ، لِيَحْمينا..
وَنَموتَ فيهِ لِيَعيشَ فينا
يَحْمِلُ اسْمَهُ الصَّغيرَ..
يُسافِرُ عَبْرَ أَحْلامِنا..
وَيَحْلُمُ فينا..
آخِرُ حُروفِهِ نَحْنُ..
وَفي الْبِدْءِ كانَ…
وَطَنٌ
(8)
حُرِّيَّة
سَأَمْضَغُ قَيْدي..
أَحْرِقُ الظَّلامَ وَالْقُيودَ..
أَلْحَقُ ما هَرَبَ مِنِّي
أَخْتَبِئُ داخِلي.. أَحُكُّني.. أَلوكُني..
وَأَعيشُ..
فَكُلُّ ما فِيَّ يَتَنَفَّسُ..!
أَيَّتُها السَّماءُ
أَعْلَنْتُ الْفِرارَ إِلَيْكِ..
أَنا قادِمَةٌ
فَقَدْ رَحَلَ..
الْوَجَعُ عَنْ شَراييني
(9)
حَنين
تَحْتَلُّني خَمائِلُ الْوَهْمِ
تَتَّجِهُ نَحْوَ أَرْضِ لَهْفَتي..
وَقَدْ جَفاها ضِياءُ الْبَقاءِ
يُهَدْهِدُ في أُذُني الْحَنينُ
وَلا أَشْعُرُ إِلَّا بِكَدَماتِ حَسْرَةٍ
وَغِيابٍ مُمْتَلِئٍ بِالْحُضورْ..
(10)
مُنافَسَة
قُبَيْلَ الْمُبارَزَةِ
اَلتَّقاطيعُ تُحْدِثُ ضَجَّةً عَنيفَهْ
اَلْمَلامِحُ مَخْفِيَّةٌ وَراءَ الْأَقْنِعَهْ
اَلْفارِسُ يَنْظُرُ إلى الْفارِسِ
وَكُلٌّ مِنْهُما يَقولُ لِلْآخَرِ
لَا تُؤاخِذْني إِنْ قَتَلْتُكَ..
وَلا يُدْرِكونَ أَنَّهُمْ إِخْوَهْ..
(11)
قَصْف
أَنا وَأَنْتَ وَالْحُزْنُ
وَلا أَمْلِكُ أَيَّ شَيْءٍ
فَقَدْ فَقَدْتُ في وَطَني كُلَّ الْأَشْياءْ
تارِكَةً خَلْفي أُمًّا مَجْنُونَهْ
تَبْحَثُ عَنْ أَشْلائي..
لِتَدْفِنَني..
وَيُصْبِحَ لي قَبْرٌ كَباقي الْبَشَرْ..
(12)
نَكْبَة
عَلَّقَتْني الذَّاكِرَةُ عَلى أَبْوابِ الْماضي
عِنْدَ بُيوتٍ تَخَلَّلَها الْعُشْبُ الْبَرِّيُّ وَغَطَّاها الشَّوْكُ..
وَبَقِيَتْ في عَقْلي كَالْخَرَزِ في الْحَلْقِ..
هَلْ سَيَأْتي الْوَطَنُ إِلَيَّ مُنْحَنِيَ الرَّأْسِ
كَفارِسٍ مُسْتَحيلٍ..؟
يوقِظُني وَيُعيدُني..
أَمْ تُراهُ سَيَخْطِفُني وَيَتْرُكُني في الْمَنْفى بِلا خَبَرْ..؟
(13)
جَريح
تَنْزِفُ الدِّماءُ عَلى الْعُشْبِ الْيابِسِ
فَيَتَلَوَّنُ وُرودًا حَمْرَاءَ جَميلَهْ..
(14)
تَحَدٍّ
سَآتيكَ أَيُّها الْوَطَنُ..
وَأَنْثُرُ ما تَبَقَّى مِنْ أَحْلامٍ عَلى كَفَّيْكَ
أَتَحَدَّى.. وَأَتْرُكُ صُراخي يُناغِمُ الصَّمْتَ
وَأَجْعَلُ حَياتي الْتِهامًا لِلْأَمَلِ..

m2pack.biz