الفنان التشكيلي جميل ملاعب يرسم الزمن بألوان الدهشة . ونغمة العيون والبصر

الفنان التشكيلي جميل ملاعب يرسم الزمن بألوان الدهشة… ونغمة العيون والبصر

الفنان التشكيلي جميل ملاعب يرسم الزمن بألوان الدهشة... ونغمة العيون والبصر

اللوحة التي يرسمها الفنان التشكيلي اللبناني جميل ملاعب ويلوّنها، ليست لوحة تسعى الى بناء هرم الحياة فحسب، بل تبدو كما لو أنها درج يمكن الصعود إليه ومن خلاله الى أعلى مسافة في الزمن. ففي غالبية أعماله ولوحاته، رسم الفنان صورة الدهشة وأرفقها بنغمات لونية متتالية، وكانت هذه الألوان في مثابة الإيقاع الذي يدوزن لون المعنى ويحوله الى طرب منغم يمكن سماعه بالعين أكثر من الأذن.
معارض كثيرة، محلية وعالمية، وأعمال متنوعة قدمها ملاعب خلال مسيرته الفنية المستمرة منذ أكثر من نصف قرن. وهو اليوم في صلب هذه التجربة ومستمر في بناء المشهد اللوني، الذي استطاع من خلاله ترسيم حدود إقامته على متن الزمن الجميل، والجغرافيا الأجمل. وقد أسس متحفاً خاصاً للوحاته، في جوار منزله في الجبل. وبات هذا المتحف الحديث مزاراً لعشاق اللون والأشكال التي تحتوي نغمة العيون المحتشدة بآهات البصر والبصيرة.
في هذا الحوار، يحدثنا الفنان ملاعب كما لو أنه يزاول الرسم في محترفه، ويخبرنا عن لوحته التي تمثل ذروة الجمال الذي يسعى إليه، ويتناول مشهد حركته اليومية والدائمة الهادفة الى إقامة مساحة الاتصال مع كل مبررات هذا الجمال. ويأخذنا معه الى تفاصيل اللون الذي استطاع من خلاله بناء الحالة الإبداعية التي خولته وحرضته أكثر على الاجتراح والفن.
– لنبدأ من خطوط لوحتك المحافظة على نشاطها اللوني، اللون الذي لا تغيب عنه حيوية النغمة المرئية، ماذا عن هذا اللون الذي بدأته وما زلت فيه، ماذا تقول ألوانك بعد أن تمتد وترتسم على القماشة وداخل الإطار والشكل؟
اللون الذي بدأت به أعمالي أو مسيرتي الفنية هو لون يتحرك وفق خط تصاعدي ولا يتوقف عند حدود ثابتة لا تتحرك. ويمكن القول إن اللون الذي بدأته ليس هو نفسه الذي أستعمله اليوم حتى لو بدا كأنه هو، فمن يدخل الى تفاصيل هذا اللون وما يحتوي من تناغم داخلي، سيكتشف سر الحضور اللوني الذي تعتمد عليه لوحتي. ثم إنني أرسم المشهد المتنوع والذي يحوي مشاهد الحياة كلها أو غالبيتها، فكيف يبقى اللون على حال واحد موحّد؟ الحياة كلها ألوان، ومهما غرفنا من هذه الألوان تبقى الحاجة إليها أكبر مما نظن ونعتقد.
– هل تبحث لوحتك عن شيء؟
إنني أبحث من خلال لوحتي، عن بقية الجمال الذي عرفته، وما يحوي هذا الجمال من أمل وآمال في الحياة. لكنه بحث عميق يشدني الى أعمق، ويستدعي كل لحظات الزمن، وتالياً، لا بد من تحقيق ما هو قائم داخل تلك الرغبة التي تدفعني دائماً الى الابتكار. البحث صورة مفتوحة بلا حدود، وأسعى في منازلها الشاسعة، علّني أوفق.
– الى أين أوصلتك لوحتك؟
ربما لم توصلني بعد. أعتقد أنها أوصلتني الى تقاطع الحياة ومفترقاته الكثيرة والعميقة، الى حيث تكمن اللحظة المليئة بالحياة ومتطلبات هذه الحياة. فالمتطلبات كثيرة ولا يمكن التوقف عند بعضها فقط، لذلك أجدني في دوامة الأمل الذي يقودني الى بناء اللون على أسس متعددة ، وهذا أمر ضروري لامتلاك النغمة المتحركة داخل الحياة. ولوحتي تتكفل بهذه القدرة على العمل والتواصل مع كل مبررات الأمل والجمال، لبلوغ الذروة الجمالية، والتي لا يمكنني إلا الدخول الى مباهجها عن سابق إصرار وتصور.
– ألذلك أقمت متحف الفن الدائم في جوار منزلك، حيث مكان إقامتك في الجبل؟
هذا المتحف الذي تقصده بسؤالك هو مشروع الحياة الأجمل الذي أحاول تشييده في أرض الحياة. وهو مكان عميق وسحيق غائر في الزمن، سعيت من خلال ما عرضت فيه من أعمال ولوحات وتحف… الى رفع علامة خفاقة براقة فوق أركان المكان والزمان، لتبقى صورة الحياة في مسارها المتواصل. ففي هذه الأعمال يبدأ الشعور والأحاسيس، تمتد وفق أفق يمتد من نقطة صغيرة، تكبر وتكبر وتتواصل في تناغمات حضوره مع البصر. لا تتوقف، بل تأخذ حيز نشاطها من العين التي تراقبها وتتفاعل معها، فتزداد حضوراً في البهجة والحرية.
– متحفك يكاد يكون الضوء أو نور اللون في قصر الحياة، أو مرآة تعكس ما خفي في أعماق النفس من جمال ومتعة؟
أعتقد أن النور لا يثبت إلا إذا امتلكه الشعور والأحاسيس. الضوء في المتحف هو فعلاً مرآة تعكس فورة الأحاسيس التي تعتمل في الذات البشرية. وقد حاولت جاهداً، تنويع هذا الشكل، بأنوار اللون، وأضواء الشكل، ليتحرر المعنى من كل ما هو مقيد. ثمة حرية بصرية مفتوحة داخل المتحف، لا حدود لها، من يدخل في فضائها، لا يسعه إلا الطيران أكثر، والتحليق في جماليات الحياة والإنسان الى ما لا نهاية.
– تحضر الطبيعة بثوب لوني خاص في لوحتك!
حين دخلت الى هذا العالم اللوني، لم أكن أخطط لقلب المفاهيم وتحويلها الى مناخات أخرى. كل ما فعلته، أنني استطعت تدارك اللحظة والدخول الى أعماقها من خلال هذه الألوان، هذه اللحظة التي تحوي مشهد الحضور والغياب في حياتنا وأيامنا وأحوالنا. وحين تعمقت كثيراً وتداخلت أكثر في مباهج هذه الألوان، وجدت نفسي في مساحة لونية ربما هي مساحة خاصة وجديدة ولم تتعود العين بعد على حركتها اللولبية.
– رسمت الكثير وكان للمرأة حضورها داخل لوحتك؟
من الطبيعي جداً أن تكون المرأة في لوحتي هي مرآة الجمال، المرأة التي تعكس جمال السلام والإنسان والحب والحياة. فالحياة جميلة جداً بناسها، وأجمل ما في حياة الإنسان هو جمال المرأة وقدسية هذا الجمال. المرأة هي اللون الأول والأهم في جمال الحياة، الشكل الأهم في هرم الحياة. يمكن من خلال جمالها التعرف أكثر على معنى الحياة. المرأة تمثل ذروة الجمال الذي ينشده الإنسان طوال حياته. وأعتقد أن المرأة هي السبب الأول، أو السؤال الذي يمكن من خلاله تفسير الأشياء الغامضة، أليس جمال المرأة هو ما يشدنا الى الإبداع والابتكار، في مختلف الفنون؟
– ماذا تعني لك المرأة، كفنان وكإنسان؟
أعتقد أن المرأة بما تمثل من وعي جمالي، يحتاجه القلب، وتحتاجه العين، وتريده الروح، كي يستمر بجنونه العذب في مدار الحياة. ولوحتي هي هذه المسافة التي تسير عليها ألوان الحياة، والمرأة هي جزء أساسي وفعال في هذه المسيرة الخالدة دائماً… المرأة لي، هي المعنى بكل أبعاده.
– هل ترى أنك رسمت مشاهد الحياة ولوّنتها؟
ليس سهلاً احتواء الفنان لكل ما يريد. يستحيل على الفنان الوصول الى أهدافه الفنية الكاملة الشاملة. الفنان بحر الألوان والأشكال، لكن لا يمكنه امتلاك الحالة أو الصورة الجمالية الكاملة الشاملة، وربما هذه المحدودية هي من شروط هذا الجمال… مهما كان عمر الفنان أو المبدع، مهما امتد في الزمن، يبقى في حاجة الى زمن وأزمان، لذلك أرى أن جمال الحياة مفتوح الى ما لا نهاية وتالياً، لا بد من متابعة ما يجري ويستمر في الحياة وجمالها. كلما تقدم وتوغل الفنان في مشاهد البحث والوصول، سيجد نفسه أمام مساحة مفتوحة لا نهاية لها .
– ترسم في شكل يومي ودائم، الريشة في يدك يومياً؟
ربما كان الرسم في حياتي مثل خطواتي وحركاتي ونشاطي اليومي. هو إيقاع يومي في حياتي، ولا يمكنني الخروج من هذه الحالة، ولا أستطيع الخروج، حتى لو قررت ذلك.
– صعوبة الخروج التي تقصدها أعتقد أنها جوهر وشرط للفن والإبداع؟
كيف أخرج من نفسي! من الصعب علي الخروج الى مساحة لا يكون للون والصورة والحركة فيها دور أساسي وفاعل، دور مؤسس لبناء عظيم.
– تعيش تحت تأثير أحاسيسك الفوارة؟
بكل بساطة أقول إنني أعيش تحت تأثير الأشكال والمشاهد والألوان والخطوط… ولو عشت لحظة الصمت، حتى لو لم أدخل الى لحظة الرسم المباشرة عبر الريشة، إلا أنني أحمل في خيالي كل المشاهد، المشاهد التي تختمر في ذاتي وكياني، ومن الطبيعي أن أسرع، لاحقاً، لتثبيتها في الشكل واللون والمعنى.
– هل تأثرت لوحتك بفنون أخرى؟
من الطبيعي، ومن الضروري ربما، أن تتلاقى الفنون في مساحة وعي واحدة. وليس الفنون فقط، بل إنني أرى وأشعر وأتحسس أن كل ما هو قائم في الحياة هو جزء من كل. ثمة ترابط بين أشكال الحياة وألوانها وأشكالها ومعانيها. الفن، كما باقي الفنون والإبداعات التي يجترحها الإنسان، هو قائمة في الغيب الذي يتحسسه الإنسان أكثر مما يراه، لذلك يمكن تحديد مكامن الالتقاء بين أبناء الحياة.-

m2pack.biz