اللاشعور الاجتماعي 29من اصل29
وتشتمل اللغة كلها على موقف من الحياة وهي تعبير جامد عن أسلوب معين لنعيش الحياة.
وإليك هنا بعض الأمثلة. هنالك لغات يصرف فيها فعل “تمطر” مثلاً تصريفاً مختلفاً، سواءً أقلت إنها تمطر لأنني كنت تحت المطر في الخارج وتبللت أم لأنني رأيتها من كوخ تمطر، أو لأنني قلت لشخص ما إنها تمطر. وإنه لواضح كل الوضوح أن التوكيد الذي تؤكد به اللغة المصادر المختلفة التي يستدل المرء فيها على واقعة ويعرفها (والواقعة في هذه الحال هي أن السماء تمطر) له تأثير كبير في الطريقة التي يرى بها الناس الوقائع ويعيشونها. (وفي حضارتنا الحديثة مثلاً فإنه بتوكيدها الجانب العقلي للمعرفة لسيان كيف يعرف المرء واقعة ما، وإنه لسواء أكان هذا عن تجربة مباشرة أم غير مباشرة أم عن الرؤية). أو أنه في اللغة العبرية يقوم المبدأ الأساسي للتصريف في ملاحظة ما إذا كان عمل ما تاماً أم غير تام، على حين أن الزمن الذي يحدث فيه، الماضي والحاضر والمستقبل، لا يعبر عنه إلا في المقام الثاني. وفي اللغة اللاتينية ينظر إلى كلا المبدأين معاً (الزمن والانتهاء) على حين تراعي في الإنكليزية (وفي الألمانية) الزمن بصورة أساسية. وإنه لمن البديهي أيضاً أن هذه الفروق تعبر في التصريف عن اختلاف وتباين في الخبرة والتجربة. (ويتضح معنى هذا التباين في الترجمات الإنكليزية والألمانية للعهد القديم؛ فحين يصطنع النص العبري صيغة الماضي لإحساس وجداني مثل “يحب” كأن يعني: “أحس بحب عميق” فإن المترجم يسيء فهم العبارة ويكتب: “أحببت”). وإن المرء ليجدن مثالاً آخر في الاستعمال المتباين لأفعال وأسماء في لغات مختلفة أو في وسط ناس مختلفين يتكلمون اللغة نفسها. فالاسم يشير إلى “شيء” ويشير الفعل إلى عمل. وإنه ليطيب لأكثر الناس أن يفكروا في مفهومات “حيازة أشياء” عوضاً من التفكير في مفهومات الكينونة أو الفعالية؛ وعلى هذا يفضلون أيضاً الأسماء على الأفعال.