“المفاتيح” الخمسة التي تدلّ أنّكِ أمام امرأة باريسيّة!
“باريس ملكة الدنيا!
باريس الشقراء بأنفها المرفوع وهيئتها الساخرة وعينيها المتألّقتين بالضحكات! باريس! جميع الذين عرفوكِ ثملوا بلمساتكِ. جميعهم رحلوا. جميعهم لا ينفكّون يعودون”.
لم تخطئ الممثّلة والمغنّيّة الفرنسيّة ميستانغيت (Mistinguett) عندما وصفت باريس بهذه الكلمات في إحدى مقابلاتها.
باريس فعلاً تُحكم قبضتها على زوّارها وأهلها. قد يشعرون بالغربة. قد يشعرون بالوحدة. بالاضطهاد. بالعزلة. لكنّ باريس تملأهم. باريس مدينة الشعراء والرسّامين والنحّاتين تسكنهم بدلاً من أن يسكنوها. فتصبح داءً. ألمًا. إدمانًا. صوتًا ينادي في البرّيّة ليعودوا. ويعودون. دائمًا!
على الرغم من جمال المدينة بمبانيها ومكتباتها وشوارعها العتيقة، على الرغم من المتاحف والنوافير والحدائق التي تشبه جنينات النعيم، في مقدوركِ أن تميّزي المرأة الباريسيّة، لكن لا بدّ من أن تشعري بالرهبة منها والخوف حتّى.
أبناء باريس الشرعيّون لا يتمهّلون ولا يمهلون ولا يرأفون. لا يساومون ولا يسايرون ولا يهمّهم السيّاح الذين يتوافدون عليهم يوميًّا.
أهل باريس سئموا نظرات الاندهاش التي تعلو وجوه الوافدين الجدد. سئموا ضحكات الهواة الذين يظنّون أنفسهم في الجنّة. باريس بالنسبة للباريسيّين والباريسيّات ليست الجنّة. هي الحياة اليوميّة المتعبة الملتحفة بالروائح والهموم وتكّات الساعة التي لا تتمهّل.
يمكنكِ أن تكتشفي المرأة الباريسيّة بسهولة. كأنّها باتت تشكّل فئة مختلفة من البشر. نوع جديد من المخلوقات ولد في هذه المدينة الصاعقة.
هناك خمسة “مفاتيح” لمعرفة المرأة الفرنسية.
أوّلاً: الباريسيّة دائمًا مستعجلة. في الثامنة صباحًا والثامنة مساءً وعند منتصف الليل، ترينها تهرع في اتّجاه ما. كأنّها دائمًا على موعد. ترينها تركض بين الجموع. تنسلّ بسلاسة وحرفيّة من دون أن تلمس أحدًا. كأنّها طيف. كأنّها ظلّ يحاول إدراك صاحبه. حقيبتها نفسها لا تتمايل خلفها بل تسير إلى جانبها بصرامة. كأنّها هي الأخرى تخشاها.
ثانيًا: الباريسيّة دائمًا نحيفة وتتقن ارتداء الألوان بمهارة لا يُعلى عليها. وحدها الباريسيّة ترتدي الأصفر والبرتقاليّ والأخضر من دون أن تبدو غبيّة. تحاولين أن تفعلي مثلها. ترتدين الأصفر والبرتقاليّ فتبدين كمهرّجة هاربة من السيرك. تحاولين حتّى أن ترتدي الجوارب الحمر التي ترتديها، فتشترينها وتحضّرينها وتضعينها على السرير كلّ الليل في انتظار الصباح. لكنّكِ في الصباح تعجزين عن إقناع رِجلكِ بالتماهي معها.
ثالثًا: الباريسيّة لا تراكِ. لديها المقدرة الهائلة على عدم الاعتراف بوجودكِ. كأنّكِ لا مرئيّة. كأنّكِ ترتدين معطف هاري بوتر السحريّ. تمرّ بجانبكِ ولا تشعر بوجودكِ. تحاولين استيقافها. طرح سؤال عليها. تحاولين الابتسام فقط. لكنّها تتجاهلكِ وتكمل ببصرها إلى مكان آخر. إلى مكان هي وحدها تراه. في البداية تحزنين. تظنّين أنّ بكِ خطبًا ما. تلمسين شعركِ. تمسّدينه. تشمّين رائحته. تنظرين إلى نفسكِ في واجهات المحالّ. ما خطبكِ؟ لماذا لا تتوقّف الباريسيّة للحديث معكِ؟
رابعًا: للباريسيّة وجه مختلف. وجه دقيق المعالم شامخ الأنف (retroussé). كأنّها تنال سماتها هذه مع وثيقة الولادة. يمكنكِ أن تتأمّلي الوجوه في المترو وتميّزي الفرنسيّات عبر وجوههنّ وتعابيرها وحدها. أحيانًا تميّزين نظرة باردة. تلك النظرة نفسها التي تتميّز بها باريس. ليست نظرة قاسية. ولا نظرة عجرفة فارغة. هي نظرة مختلفة. كأنّ الباريسيّة تقوم بمجهود عظيم لتنوجد في هذا المكان المتواضع إلى جانب غير الباريسيّين. كأنّها الأمّ الحنون التي تتحمل حماقات صغارها فسي انتظار أن يكبروا. نظرة المرأة الباريسيّة تُعيد إليكِ الشعور بأنّكِ ضيفة. مارّة كغيركِ من الذين لن يلبثوا أن يعودوا إلى مدنهم الجنوبيّة البعيدة.
خامسًا وأخيرًا: المرأة الباريسيّة سريعة الغليان. كأنّها بركان في انتظار اللحظة المناسبة ليرمي حممه على كلّ من يحيط به. تغضب. تتوتّر. “تنرفز”. تُشعركِ بضرورة التصرّف مثلها. احترام حنقها. تثور ثورتها على أقلّ خطأ. أقلّ هفوة. لكنّ غضبها السريع الاحتدام هو الآخر أنيق بارد. فلا تصرخ ولا تشتم. لا تلفت الانتباه ولا تثير جلبة. تشعرين بها “تتسمسم” وتحنق وتروح تُخرج جملها الفرنسيّة بهدوء وخفوت وبسرعة خياليّة تعجزين معها عن فهم كلمة واحدة ممّا تقوله.
المرأة الباريسيّة على غرار باريس تشكّل لكِ أحجية. لغزًا. تُوتّركِ. تُشعركِ بأنّك على بعد سنوات ضوئيّة من فهمها وفهم متطلّباتها. المرأة الباريسيّة على غرار باريس تلتصق بجلدكِ. لا تعرفين كيف تتماهين معها، وفي الوقت نفسه تعجزين عن خلعها عن نفسكِ المضطربة.
المرأة الباريسيّة! معضلة جديدة تُضاف إلى أزماتكِ في أرض الفنّ والنبيذ.