1من اصل2
عندما غدا الغَلاييني شابّاً طريَ العود، في الثامنة عَشْرَةَ من عمره، يمّم، آخر عام 1902، شطر مِصْر، حيث الصّرْح الدينيّ العريق، الأزهر؛ وهناك حظي بأن يقرأ العلم الدينيّ على يد مُصْلح كبير هو الشيخ محمّد عبده، وكان يتولّى عهد ذاك منصب الإفتاء في الديار المصريّة.
على أنّنا نعتقد أنّ حظّاً استثنائيّاً حالفه، كما حالف قبله طه حُسَين إبّان دراسته الأزهريّة، وهو أنّه تَهِلَ العلم لدى الشيخ سيّد المَرْصفي، وهو عالم لغة متميّز، وقُدْر له أن يتعاطى تدريس الأدب بين أروقة الأزهر، وكانت مادّة مُحْدّثة في الدراسة عهد ولج طه حًسَين ومصطفى الغَلاييني هذا المعهد التعليميّ الذائع الشهْرة؛ فكان للمَرْصفي أثر خطير في مسيرة كلا الرجلين. وكان الشيخ محمّد عبده هو مَنْ وقف، ضمن خطواته الإصلاحيّة للأزهر، وراء إدخال العلوم الحديثة على منهاج التعليم، وكان في عِدادها النهوض بالعربيّة وآدابها.
ووجد الشيخ الإمام ضالّته في الشيخ سيّد علي المرْصفي، الذي كان مشهوراً بتضلعه في اللغة وأسرارها، وعنايته بالأدب العربيّ على نحو معمّق وفيه إحاطة. لهذا صار المَرْصفي يُلقي دروسه في الرواق العبّاسيّ خلال حرم الأزهر.
وما إن علم الفتى طه، الذي دخل الأزهر عام 1902، أنَ الشيخ المَرْصفي سيقرأ “المفضل في صَنْعة الإعراب للزّمَخْشَري، خلال يومين من الأسبوع، حتّى وافاه وجلس إليه مفتوناً.
ويبدو أنّ المَرْصفي، الفهّامة اللمّاح، عثر في تلميذه طه على هذا الفتى النابه. فانعقدت سريعاً الألفة والصداقة بين الأستاذ وتلميذه.