بعض الملاحظات التمهيدية الشخصية 4من اصل4
وذهلت أيضاً من الكره الهستيري للإنكليز الذي عم ألمانيا كلها آنذاك. وفجأة كانوا جنوداً مرتزقة بائسين أشراراً معدومي الضمير تطلعوا إلى تدمير أبطالنا الألمانيين الأبرياء السذج الميالين كثيراً إلى تصديق الناس والثقة بهم. وفي وسط هذه الهيستريا القومية بقيت فذ ذاكرتي حادثة حاسمة. ففي درس اللغة الإنكليزية كنا أعطينا وظيفة لنحفظ النشيد الوطني الانكليزي على ظهر قلب. وقد كنا كلفنا بهذه الوظيفة قبل العطلة الصيفية لما كان السلام لا يزال سائداً. ولما بدأت الدروس من جديد قلنا نحن الفتيان لأستاذنا، إما عن قلة تربية وإما لأن عدوى “الحقد على الانكليز” كانت سرت إلينا، فقد ترددنا أن نحفظ النشيد الوطني لألد أعدائنا وأسوأهم. ولا أزال أرى أستاذنا واقفاً أمام الصف وهو يبتسم ابتسامة ساخرة من احتجاجنا قائلاً بهدوء: “لا تضللوا أنفسكم؛ فإنكلترا لن تخسر حرباً حتى الآن.” هنا تكلم صوت العقل والواقعية في خضم الحقد الجنوني، وكان صوت معلم محترم كان محط الإعجاب! فهذه الجملة الوحيدة والطريقة الهادئة السليمة الت يعبر بها عنها كانت بالنسبة لي كشفاً وإنارة. وقد اخترقت هذه الجملة موجة الحقد المجنونة والتأليه الذاتي القومي، وبدأ أفكر وأتساءل: “كيف يمكن أن يكون شيء كهذا؟”.
وكبرت، ونمت شكوكي. وسقط في الحرب بعض أعمامي وأبناء أعمامي ورفاق أكبر سناً مني. وأثبتت كذبتها تنبؤات النصر للجنرالات، وسرعان ما تعلمت فهم القال والقيل المريب عن “تراجعات استراتيجية” و “الدفاع المظفر”. على أن شيئاً آخر حدث. فالصحافة الألمانية كانت قد زعمت من البداية أن الحرب قد فرضها على ألمانيا جيرانها الحساد الذين أرادوا أن يقضوا على ألمانيا ليتخلصوا من منافس ناجح. ووصفت الحرب بأنها نضال من أجل الحرية؛ ألم تحارب ألمانيا التجسيد المجسم للعبودية والاضطهاد، أي القيصر الروسي؟