توظيف التراث في منجز التشكيلي الجزائري جميل الوردي

توظيف التراث في منجز التشكيلي الجزائري جميل الوردي

توظيف التراث في منجز التشكيلي الجزائري جميل الوردي

الجزائر «القدس العربي» من محمد البندوري: تتسم أعمال التشكيلي جميل الوردي بالقوة التعبيرية الواقعية التي تنصهر في سياق تجربة فنية معاصرة، تحمل في طياتها تقنيات جديدة، يبدي من خلالها المبدع مجمل التعابير التي تعكس الواقع المحلي لديه، وفي الآن نفسه يدمج تصوراته، ويبسط أفكاره المتنوعة بتشكيلات دقيقة تروم مجموعة من القيم والفضائل والميزات الإنسانية، التي تتنوع في الأساليب والموروثات الحضارية. ويلامس المبدع مادته التشكيلية من خلال نهج مسلك واقعي في نطاق تجربة تضطلع بخاصيات تراثية، تكتنفها الجدلية والأخذ والرد، بين مجموعة مكونات في نمط تشكيلي غاية في السحر والجمال، يُقيمها على مبدأ التخصص المبني على القاعدة الفنية الحمّالة لأوجه من الدلالات، والموسومة بحمولة معرفية وتاريخية متنوعة. ويعتبر هذا الاختيار المسلكي في التشكيل مقاربة فنية تؤطر المنحى التعبيري، من خلال المادة التراثية، ومن خلال الواقع، ومن خلال الرؤية البصرية التي تروم الجمالية الصرفة في العمل. ولا شك في أن المبدع يسعى من خلال ذلك إلى التعبير العميق بقدرة في الإيهام، بما يكتنف الواقع من خلفيات مظهرية، وما يشعر به هو من انفعالات وأحاسيس ذات أبعاد مضامينية، وأبعاد أخرى في حكم الواقع الفني، وبذلك يضمن لأعماله الاستمرارية، من خلال صياغة مفردات تشكيلية منتقاة من الواقع المحلي، يُدبّرها في الفضاء بتقنيات عالية ليمنحها دورا رئيسا، فيدل ذلك على إدراكه في موازاة الشكل الفني بالمظهر الواقعي الذي ينبض بأشكال تعبيرية تعكسها الشخوصات الواقعية وملامح الألوان التي تعج بالحركة المتتالية، وبالتعابير ذات الصيغ المتنوعة التي تُحدث في أعماله أنغاما موسيقية تنسجم مع السياق الواقعي العام. إنها سمة في أعماله التي تشكل تدفق التراث الجزائري بحمولته الثقافية والاجتماعية والفنية، تبعا لنسق الحركة الدؤوبة، وأيضا للمناحي التي تعكس تصورات المبدع، التي هي جزء من المجتمع وتحمل ثقافته، بكل الامتدادات المتداخلة في عالمه التشكيلي.
والفنان جميل الوردي له من الإمكانات والتقنيات المتميزة ما أهّله لأن يوظف تصوراته وأفكاره عن حقب من التراث الحضاري الجزائري، بنوع من المهارة وبنوع من الدقة في التعبير وتوظيف مفردات تراثية رامزة تحقق التأثير الوجداني في القارئ، ليتفاعل ويستنطق المادة الفنية شكلا ومضامين. ويتأتى ذلك بفضل تفاعل المبدع أولا مع المسلك الواقعي بنوع من القوة التعبيرية والقدرة التحكمية في بنيات المادة الواقعية، وفي عمليات التدبير الفضائي بكل مقوماته ومستلزماته، ما يخول له أن يبتكر وفق منهج مدروس وتجربة عالمة.
إن رسالته التعبيرية ملفوفة في نسيج واقعي يشكل في عمقه وعاء مليئا بالأشكال والشخوصات والألوان، لينتج أعمالا معاصرة مليئة بالأحاسيس والمشاعر، وبذلك فهو ينسج حوارات بيانية بكافة العناصر والكتل والتكوينات بأبعاد فلسفية تأخذ بعين الاعتبار الزمان والمكان، لما تقتضيه المادة الواقعية من استيعاب ثقافي وبعد جمالي يرتبط في تراسيمه التشكيلية بالمحلية، ما يضع القارئ في تفاعل حين يتناغم مع الشكل العام ومع مضامينه في سياقه التاريخي والمكاني، وأيضا بالأشكال الهندسية الشكلية التي تُعد أحد الركائز البنائية التي تشعل وهج الفضاء اللوني والشخوصي، ما يتيح عبور المادة التشكيلية نحو نطاق الوجود الحسي البصري بقدرات مهاراتية وتقنيات عالية، يُظهر من خلالها أهم مناحي الجمال وتأكيده داخل الفضاء، ليلامس عصرنة الأسلوب الواقعي ويجعل مادته الفنية ذات قيمة تاريخية ومعرفية وجمالية..

m2pack.biz