جدل حول مصداقية الكاميرا ودورها في صناعة الإعلام

جدل حول مصداقية الكاميرا ودورها في صناعة الإعلام

جدل حول مصداقية الكاميرا ودورها في صناعة الإعلام

عمان «القدس العربي»: أصبحت الصورة اليوم خبرا يحمل أبعاداً سياسيّة وفكريّة وتجاريّة تروّج أحيانا لواقع مخترع لا يتوافق مع الوقائع الفعليّة، ولأهمية الموضوع خصصت مؤسسة عبد الحميد شومان في العاصمة الأردنية عمان، لقائها الشهري حول «دور الصورة في صناعة الإعلام» بمشاركة كل من مستشار الدارة فيصل دراج والمصورة ليندا الخوري.
وتحدثت المصورة الفوتوغرافية ومؤسسة دارة التصوير ليندا الخوري عن أهمية الصورة كوسيلة بصرية مؤثرة، من خلال عرض مجموعة من الصور تعكس الأثر التاريخي للصورة في الإعلام والتراجع الحالي لمصداقية الصورة واستخداماتها. واعتبرت الخوري أن الصورة من أهم وسائل الإعلام، فهي تصل إلى المتلقي أسرع وبقوه تأثير أكبر من تأثير الكلام، كونها وسيله بصرية تعلق بأذهان المشاهدين. كما لقبت الخوري الكاميرا «بعين التاريخ» لما سجلته من أحداث في جميع أنحاء العالم وساعدت على وصولها وتداولها لأكبر عدد من الناس، بالأخص أن بدايات التصوير لم تشهد تلاعبا بالصور مما أعطاها درجة عالية من المصداقية. وأشارت الخوري إلى أن مصداقية الصورة تراجعت في التاريخ الحديث لوجود برامج متعددة للتلاعب بالصور والحقائق الواقعية لها، مما أدى إلى تغير مسار استخدام الصورة في الإعلام ودرجة تأثيرها على المشاهد، بالأخص انتشار منابر حرة مفتوحة لعرض الصور والآراء بدون رقابة أو متابعة.
ومن جانبه تحدث دراج عن «الصورة بين بناء الحقيقة والهرب منها» فالصورة تنطوي على بعدين أساسيين: الهوية والبديل، إذ في الهوية ما يشير إلى موضوع محدد، له خصائص مرتبط به، وإذ في البديل الموضوع الذي تنتجه الصورة، بعد إزاحته عن موقعه الأصلي وشدّه إلى موقع جديد. ولهذا يعرف الفنان/الفنانة باسمه، لكنه يعرف أولاً بصوره، التي تذهب إلى وراء الاسم وتعلن عن أبعاد غير منظورة. وأوضح دراج أن الإيديولوجيا، أي التحزبّ في النظر، تحدّد العلاقة بين الصورة والكلام، أو بين الصورة والكتابة.
فمن المفترض أن الصورة الفنية مكتفية بذاتها، تنشر ما تريد قوله في تفاصيلها المختلفة، وفي المنظور، الذي يهّمش جزءاً ويلقي ضوءاً ساطعاً على أجزاء أخرى.
ومثال على ذلك ذكر دراج الصورة المرتبطة بطفل صومالي، هو جمجمة وعينان جاحظتان، تمسك أصابع يديه بالفراغ، أو صور شاب مصري شهيرة، تقنّع رافعاً يداه يحيط به غاز القنابل المسيّلة للدموع. وأضاف «غير أن الصورة التي لا تتوسل الحقيقة، تستعين بكلام هو امتداد لها، مشيرة إلى الحقيقة وهاربة منها في آن، حال صورة اللاجئين، الملتقطة من طائرة، مختصرة اللاجئين إلى نقاط سوداء، محاذرة الوجوه والعيون التي تفصح عن أسباب اللجوء، الذي تعرض عنه «الصور المحايدة» أي تلك التي تسوّق الخبر، ولا تكترث بالآلام الإنسانية. وقد تمر الصورة على قرية فلسطينية، على مدخلها كتابة باللغة العبرية وأخرى بالعربية ينقصها الوضوح».
وبحسب دراج تتوقف الصورة أمام الكتابة، وتمتد أماماً إلى الجبال والسهول، لكنها تحاذر الاقتراب من القرية، التي غادرها أصحابها وتحوّلت بيوتها إلى أطلال، ذلك أن الاقتراب يحوّل القرية إلى سؤال، لا تعنى به الصورة، التي تقصد إلى نسيان القرية وأهلها، على مبعدة من صورة مغايرة، تكشف عن البيوت الأنيقة والمزارع المزهرة والوجوه الأنيقة، والمحصلة أنه لا وجود للصورة إلا في مقاصدها، ولا معنى للكلام الذي يضاف إليها إلا في مقاصده، ما يوزع الصورة، دائماً، على حقلي الزيف «والقائم فعلياً»، ويحوّلها إلى تجارة إعلامية، قبل أن تكون عملاً فنياً.
أما في ما يخص الإعلان، فاعتبر دراج أن الإعلان القائم على الصورة، في القنوات الفضائية المتعددة، ما هو إلا آية على قوة الصورة الدعائية، التي تسبق الخبر وتتلوه، كما لو كان دور المتفرج «النأي عن السياسة» والاكتفاء بالصورة، أو بما يشبه الأخبار، طالما أن «حقيقة الصورة» من التشابه الذي تقيمه بين الموضوع وصورته، أو من ذاك الانزياح الضروري بين «الوجه كما هو» والوجه الذي تخترعه «الكاميرا»، وتخترع له متفرجين وأنصاراً، على اعتبار أن الكاميرا الحاذقة تصور الإنسان وما يحلم به، والشيء كما هو قائم، وكما يجب أن يكون.
وفي نهاية حديثه قال دراج «يبني المنتصرون صورهم وصور غيرهم، ويردّ عليهم غيرهم بصورة مغايرة، أو يستسلمون للصور التي فرضت عليهم في انتظار لحظة سعيدة عنوانها: المساواة، التي تترك القوة جانباً، وتحض على الإبداع، الذي يمارسه الفن الحقيقي، ويؤكد الصورة، مهما كان مجالها، مدخلاً إلى التحرر الإنساني».
آية الخوالدة

m2pack.biz