“جمال الخطوط” معرضاً للصوَر في منزل الانطباعي غوستاف كايبوت بضاحية باريس
تعتبر مجموعة الزوجين الأميركيين ساندرا غيلمين وسيلسو غونزاليس فالا للصور الفوتوغرافية، والمحفوظة في منزلهما في نيويورك، من أهم المجموعات العالمية في مجال فن التصوير. تضم المجموعة أكثر من 1500 صورة أصلية تؤرخ للتصوير الفوتوغرافي منذ بداياته حتى اليوم. وبسبب أهمية هذه المجموعة التي تضم إبداعات كبار المصورين في العالم، يقام لها باستمرار معارض ليس فقط في الولايات المتحدة بل أيضا في أوروبا.
مطلع هذه السنة، أقيم لها معرض في “متحف الإيليزيه” في مدينة لوزان السويسرية تحت عنوان “جمال الخطوط”. بعد لوزان انتقل المعرض الى فرنسا حيث افتتح حديثاً في المركز الفني التابع لمنزل الفنان الفرنسي الانطباعي غوستاف كايبوت الذي يبعد عشرين كيلومترا عن باريس وهو يشتهر بعمارته الكلاسيكية وحديقته الشاسعة المزينة بالمنحوتات.
كانت ساندرا غيلمين قد بدأت باقتناء الصور منذ العام 1974 بعد اكتشافها أعمال المصور الفرنسي الرائد أوجين أتجي في متحف الفن الحديث في نيويورك. اشتهر هذا المصور، الذي توفى في العام 1927، بالصور التي التقطها للعاصمة الفرنسية وهي ذات طابع وثائقي وتؤرخ لمرحة اندثرت. لم يأت اهتمام ساندرا غيلمين بفن التصوير من فراغ، فهي درست الفنون وكانت من أصدقاء الفنان الأميركي الشهير أندي وارول الذي التقط لها صورة بورتريه في العام 1976. أما الأمين السابق لمتحف الفن الحديث في نيويورك جون ساركوفيسكي فكان من الذين ساهموا في تنشئتها الفنية. بعد وفاة زوجها في العام 1982 إثر نوبة قلبية مفاجئة، زاد تعلقها بشراء الصور الفوتوغرافية القيّمة وكانت من الذين ساهموا في فرضها كأعمال فنية في متاحف نيويورك، حتى أن إحدى صالات متحف “ويتني” تحمل اسمها اليوم. أما سيلسو غونزاليس فالا الذي تزوجته في ما بعد، فكان هو أيضا من هواة جمع الصور وهذه الهواية المشتركة وطدت العلاقة بينهما ولا تزال قائمة إلى اليوم.
لقد حضر الزوجان افتتاح المعرض والتقيا بالصحافيين وتحدثا إليهم بالانكليزية عن تجربتهما التي بدأت كهواية، وكيف ساهمت، مع مرور الوقت، في فرض التصوير الفوتوغرافي كفنّ قائم بذاته تماما كالرسم والنحت، بعدما كان يُنظر إليه في السابق كعمل تقني لا يليق بالمتاحف. في الوقت الراهن، تقام البينالات والمهرجانات المخصصة للصورة والفوتوغرافيا وهناك صالات عرض تعرض أعمال المصورين الى جانب أعمال التشكيليين والنحاتين.
تتنوع الصور في معرض “جمال الخطوط” وهي لمصورين معروفين يبلغ عددهم سبعين مصوّراً منهم الأميركيان مان راي ووالكر إيفنز ونان غولدين وبيرينيس أبوت والبرازيلي فيك مونيز والفرنسيان هنري كارتييه بروسون وأوجين أتجي والألماني كارل بلوسفيلد.
أكثر من مئة وعشرين صورة تتمحور في معظمها حول الخطوط الهندسيّة طولاً وعرضاً وتحتلّ الفضاء العامّ. تأتي أهمية الخطوط مقابل المشهد والاهتمام بالأطر والضوء. والمعني بالخطوط هنا جانب أساسي من تقنيات الصورة، مثلا، من اجل توثيق الواقع يعتمد الكثير من المصورين على تبيان البعد العمودي والعناصر المتقابلة. التركيز على الخط سمح للمصورة الأميركية مارغريت بوركوايت في العام 1933 بأن تمجد الاكتشاف التكنولوجي الذي يجسده بناء جسر جورج واشنطن في نيويورك، والصورة المأخوذة في هذا الخصوص تضيء بشكل خاص على البنى المتداخلة والمتوازية لهذا الجسر.
مقابل ذلك، اكتشف العالم مصورين ينتقدون في أعمالهم صعود التصنيع الذي انطلق بقوة في النصف الأول من القرن العشرين كما فعل تشارلي شابلن في فيلم “الأزمنة الحديثة”، حيث المصانع تتعاطى مع العمال كآلات بشرية. في هذا السياق اظهر المصور الأميركي لويس هاين في العام 1931 عاملاً معلقاً في السماء فوق لوحين حديديين، وهذه الصورة حضت البعض على انتقاد ظروف العمل القاسية التي يعمل فيها العمال، والبعض الأخر اندهش أمام جرأة هذا العامل وقدرته على العمل في هذه الظروف الصعبة. أما البرج المعني في هذه الصورة فهو “إمباير ستايت بيلدينغ” أحد أشهر المباني في مدينة نيويورك.
بالإضافة الى الأعمال التي ارتكزت بصورة أساسية على الخطوط الأفقية والعمودية والبنية الهندسية بشكل خاص، تطالعنا في المعرض بعض الأعمال التي تبدو لوحات تجريدية بامتياز.
تكمن أهمية الصور المعروضة في الجمع بين الجانبين الفني والتوثيقي، وهذا ما يجعل منها أعمالا نادرة وذات قيمة كبيرة.