«حالاً الآن» للفرنسي باسكال بونيتزر.. العبوديّة في عالم الشركات الكبرى والبزنس
باريس «القدس العربي» من سليم البيك: إلى أي قدر يمكن أن يكون الفيلم عالمياً بموضوعه، مهما كانت الحكاية فيه محلّية؟ والعالميّة مقصود بها عولمة أسلوب حياة معيّن، فتكون الحكاية المحليّة فيه، في باريس مثلاً، ممكنة بل ومحلّية كذلك، بكل تفاصيلها، في مدن مركزيّة أخرى، حيث يحضر عالم المال وشركاته، من البنوك إلى العقارات وغيرها، الحكاية في باريس هنا يمكن أن تكون ذاتها في لندن أو نيويورك أو هونغ كونغ.
للفيلم طابع فرنسي محلّي، ويمكن بتغييرات طفيفة أن يكون له طابع محلي لأي من المدن/المراكز المحتضنة للمال والأعمال.
والحديث هنا عن موظّفة جديدة في شركة، العالم الذي تعيشه في الشركة التي تأخذ معظم وقتها، وعالمها الموازي خارج ساعات العمل الرّسميّة والتي تنشغل فيها كذلك بما هو مرتبط بعملها.
نورة (أغاتا بونيتزر، ابنة المخرج)، يبدأ الفيلم بها تدخل الشّركة موظفة جديدة، ستعمل محلّلة ماليّة في شركة استشاريّة كبرى، يخبرها مديرها (لامبير ويلسون) بأنّه عمل منذ زمن مع والدها. تسأل الفتاة إن كانت قد وُظّفت بسبب العلاقة القديمة والسّابقة للمدير مع والدها الذي تتجنّب إخباره بذلك. ووالدها (جان بيير باكري) فظٌّ مع الجميع ويعزل نفسه عن أسرته وزملائه السّابقين. تلتقي نورة بزوجة مديرها في العمل (إيزابيل أوبير)، التي تقيم علاقة مع زميل زوجها، كما أقامت قديماً مع والد نورة. وتلتقي نورة كذلك بزميل لها، إكزافييه (فانسان لاكوست)، موظّف من خلفيّة اجتماعيّة متواضعة. تدخل في علاقة معقّدة معه، ويدخل هو في علاقة سريعة مع أختها، مغنّية في ناد ليلي، تتشابك الحياة الشخصية لنورة، حياتها وحياة أسرتها، بحياتها العمليّة. لكنّها تتميّز في عملها وتثبت جدارتها.
الشخصيات على جانبَي حياة نورة، العائلية والمهنيّة، تحوم حولها، وإن كان بعض العلاقات فيها سابقة لها، إلا أنّها، في الفيلم والزمن الذي يصوّره، تحوم حولها كشخصيّة رئيسية في الفيلم، العلاقات فيه هي لكل من هذه الشخصيات معها، وهذا ما يجعل الكاميرا تلحق نورة أينما توجّهت، وهو كذلك ما يجعل الحكاية تقدّم الشخصيات بحسب موقعها من نورة: مديرها، زميلها، اختها، أبوها، وأي علاقات بينها كشخصيات ثانويّة تكون في سياق علاقاتها مع نورة: زميلها مع اختها، أبوها مع زوجة مديرها. وهذا ما قد يفسّر اختيار ملصق الفيلم لتكون فيه البطلة في المركز محوَّطة بالآخرين المذكورين.
ونظرا لموضوعه، أمكن للفيلم أن يكون تجارياً وحسب، ناقلاً قصّة في فرنسا يمكن أن تلائم مدناً مركزيّة أخرى، لكنّه لم يكن تجارياً بالمعنى المبتذل، أي أنّ مخرجه باسكال بونيتزر حرص على أن لا يتخطى حدوداً أدنى فنياً، لكن كذلك من دون أن يكون فيلماً فنّياً بالدّرجة الأولى، فموضوعه قد لا يساعد على ذلك. وما أمكن أن يساعد المخرج في مهمّته قد يكون أوّلاً عمله السّابق كناقد سينمائي في المجلة السينمائية الأهم في فرنسا، ومن بين الأهم في العالم «كاييه دو سينيما» (دفاتر السينما)، وعمله أساساً، وهو ما يُعرف به، ككاتب سيناريو (في ما يقارب الخمسين فيلماً)، فمكّنه ذلك على تركيب وتطوير شخصيّات فيلمه الخاص، إضافة إلى عمله في أفلام عديدة كمخرج (6 أفلام)، وكممثل (30 فيلماً). فهذه المعرفة النقديّة والحكائيّة والإخراجيّة والتمثيليّة كانت السبب في أن يُدخل بونيتزر فيلمَه في عالم السينما التّجاريّة بمعايير عالية، كأن يصوّر حكاية موظّفة في شركة ماليّة، ضمن معايير سينما فنّية بقدر ما تحتمله السينما التّجاريّة.
في الفيلم تقابل بين المثاليّة والواقعيّة، الأولى ممثلة في نورة ذاتها، ولكن بنسبة أعلى في اختها وعلاقة كل منهما، من طرفه، بإكزافييه، والواقعية ممثلة بمديرها الذي يخبرهم في اجتماع في العمل بأنه «أُوجدت المشاريع لتحقيقها، أمّا الأحلام فأوجدت لتحطيمها». تعيش نورة حالة الأحلام وتعيش مضطرةً حالة المشاريع، محاولةً أن توفّق في ما بينهما، صعوبات عديدة تواجهها بسبب التّناقضات التي تجمع بينها وبين كل من حولها، في الأسرة وفي العمل، كما تجمع بين الأحلام والمشاريع.
الفيلم الذي نال تقييمات جيّدة في الصحافة الفرنسية، يتناول، من بين ما يتناول، حالة العبوديّة في عالم الشركات الكبرى والبزنس، فأخت نورة التي تعمل مغنّية في بار، تقول لها في حديث بأنّها عبدة لدى شركتها، لكن الإشارة الأكثر بروزاً في ذلك هو عنوان الفيلم «حالاً الآن» وهي جملة يقولها المدير بعصبيّة في اجتماع حين يطلب من نورة التوجّه إلى مكتبه: الآن يعني حالاً.
«حالاً الآن» للفرنسي باسكال بونيتزر: العبوديّة في عالم الشركات الكبرى والبزنس