2من اصل3

 

ولم يستمر اللقاء سوى دقائق قليلة قال فيها رأيه بدقة ووضوح على أساس علمي هو نتيجة سنوات من البحث والدراسة له ولغيره من العلماء ليبرر عدم صلاحية الفكرة للتطبيق بكلمات مهذبة شكر فيها كل من يجتهد حتى وإن أخطأ.. كان أستاذ الجامعة أنيقًا بوقار وانحناءة رأسه ذات الشعيرات البيضاء تنطق بتواضع العلماء وكأن عنقه لا تقوى على حملها من فرط ما أثقلها به من علم.

مرت السنوات ودخلت دوامة العمل وتكررت اللقاءات ما بين مؤتمرات وندوات وفي المكاتب، والبيوت أيضًا، شاهدت خلالها فشل العديد من المؤتمرات رغم إقامتها في أكبر الفنادق، وجدية الكثير من الندوات التي عقدت في أماكن شديدة التواضع، ووجدت الجادين في عملهم بيوتهم عادة بسيطة إلا فيما ندر ولكنها أنيقة تنطق بالأصالة والذوق، وحتى ما يتسم منها بالفخامة يحرص أصحابها على تأكيد أنهم لم يبدأوا هكذا، بل يفخر الكثيرون منهم بأنهم بدأوا بأقل القليل الذي وضعوه في بيتهم واحتفظوا بالكثير في خزانة أحلامهم التي أصبحت رصيدهم ونهرًا لسعادتهم ينهلون منه كلما حققوا حلمًا من هذ الأحلام.. أحلامهم هم وليس رغبات الآخرين وتقليدهم من باب المباهاة وضرب المثل في الأبهة والفخفخة على طريقة “قطر الندلى” التي كان عرسها وجهازها مضرب المثل على مر التاريخ ومع ذلك لم تعرف السعادة على مدى سنوات زواجها القصيرة التي انتهت بوفاتها وهي في بداية العشرينيات من عمرها، نتذكر عرسها وجهازها وننسى أنها كانت حزينة كما ننسى كلماتها البليغة التي قالتها لزوجها الخليفة المسن عندما غضب لتركها له وهو نائم بين يديها “أنا لا أجلس مع النيام ولا أنام مع الجلوس”.. فاليقظة مطلوبة والتقليد الأعمى مضر، فلينشغل كل منا خاصة الشباب بتحقيق أحلامه وبلوغ أهدافه بدلًا من السير وراء الآخرين إرضاء لرغباتهم وكأننا منومون مغناطيسيًا، نفعل ما يرضيهم ونحسب لردود أفعالهم ألف حساب.. رغم أن الكثيرين منهم لا يستحقون هذا الاهتمام.