روجر ديكنز الفائز بـ”أوسكار” التصوير يوم حاورته “النهار” لا أكترث للجوائز، أفعل ما أريد وهذا هو الأهم!

روجر ديكنز الفائز ب”أوسكار” التصوير يوم حاورته “النهار”: لا أكترث للجوائز، أفعل ما أريد وهذا هو الأهم!

روجر ديكنز الفائز ب'أوسكار' التصوير يوم حاورته 'النهار'.. لا أكترث للجوائز، أفعل ما أريد وهذا هو الأهم!

في 22 أيار 2015، التقت “النهار” في #مهرجان_كانّ السينمائي البريطاني روجر ديكنز، أحد أسياد الضوء في السينما المعاصرة وتكلمنا معه عن مسيرته والنحو الذي يعمل به. تعميماً للفائدة، نعيد نشر هذه المقابلة في مناسبة فوزه بأول “أوسكار” له عن “بلايد رانر 2049” لدوني فيلنوف وهو على مشارف السبعين، وعلى الرغم من انه ترشّح ل13 مرة، منذ العام 1994!
شكّل روجر ديكنز صورة أفلام الأخوين كووين منذ “بارتون فينك”(1991). ارتبط اسمه كذلك بأفلام سام مَندَس، ومنها “سكايفول” الذي أخرج سلسلة جيمس بوند عن سياقه الجمالي المعهود. في السنوات الأخيرة، أضاء أفلام دوني فيلنوف، المخرج الكندي الذي يستعد لتصوير تتمة “بلايد رانر” معه. ديكنز الذي لم ينل يوماً “أوسكار” أفضل تصوير في هوليوود، كان يحلم أن يكون رسّاماً وهو صغير. في المقابلة الآتية التي أجريناها معه في كانّ، كان لا بدّ من أن نذكّره بأنه رسّام “يستخدم الكاميرا بدلاً من الريشة”. الأخوان كووين يعتبرانه أكبر مصوّر حيّ (يكفي أن تشاهدوا “اغتيال جيسي جيمس” كي تتأكدوا من ذلك). لعل أكثر ما يفاجئ في تصريحاته انه يولي النصّ اهتماماً اكبر من التقنيات، معترفاً بأنه لا يعمل على فيلم ليس لديه رغبة في مشاهدته.
ديكنز وفيلنوف أثناء تصوير “بلايد رانر 2049”.
■ تقول في احدى المقابلات الصحافية انك اكتشفتَ أسلوبك بنفسك. كيف تحدد ذلك الاسلوب، ام انه يتغير من فيلم الى آخر ويتطبع معه؟
– بصراحة، لا أعرف ماذا يعني الأسلوب. أعتقد ان عملي كمدير تصوير هو أن تكون لي ردود أفعال على جملة من الأشياء، أولها ردّ فعلي على النصّ المكتوب، ثم على مقاربة المخرج لهذا النصّ. مع الوقت، أبلور رؤية شاملة للفيلم، غالباً ما تكون بصرية. أنا جديٌّ تماماً عندما أقول انني لا أفهم كلمة أسلوب. هل هو حسّ التكوين، التشكيل، اللعب بالألوان. صدقاً، أجهل!
■ الى أي درجة يتقاطع عملك مع عمل المخرج؟ او بالأحرى، الى أي مدى الفيلم الذي تعمل عليه كمدير تصوير هو فيلمك ايضاً؟
– بطريقة ما، صاحب أي فيلم هو مخرجه. لذا، من هذه الناحية، لا شيء في الفيلم لي. لكني أستطيع الادعاء أنني تركتُ شيئاً مني في كلّ فيلم صوّرته، والا ما من سبب يدفعني الى العمل عليه. لولا قدرتي على هذا، لذهبتُ لالتقاط الصور بمفردي. هل تفهم ما أقصده؟ أتدبر أمري دائماً كي أضع في الفيلم بعضاً من شخصيتي بطريقة تتلاءم مع النص. هنا المعضلة!
■ هل تقرأ السيناريو دائماً قبل الموافقة على العمل؟
– نعم. لكني لا أحتاج أن أوافق على كلّ شيء يرد في السيناريو. يجب أن أجتمع بالمخرج لأرى اذا كانت رؤيتي البصرية للعمل مطابقة لرؤيته. إذا كان التطابق معدوماً، فهذا يعني ان العلاقة المهنية بيننا لن تدوم. من الأفضل حينها عدم التعاون وقطع الصلة. عملاً بهذا المبدأ، تخليتُ عن أفلام كثيرة لأننا، المخرج وأنا، لم نكن ننظر الى الأشياء من المنظور نفسه.
■ ألهذا السبب أيضاً، استمرّت علاقتك المهنية بجويل وايثان كووين كلّ هذه السنوات وأثمرت 12 فيلماً؟
– العمل معهما مشجّع جداً ومحمّس. صوّرتُ لحسابهما 12 فيلماً من أصل 17 أنجزاها. أتذكر عندما بدأنا تصوير “أو براذر”، كان الأخوان يريدان صورة خاصة جداً تشبه بطاقات البريد القديمة المرسومة باليد. قمنا بعدد هائل من الاختبارات كي نخلق كيميائياً هذا الشكل للفيلم، ولم ننجح. في ذلك الوقت، فيلم واحد فقط كان استخدم تقنية ال”دي اي بروسس”، “بليزنتفيل، ومعه عدد من الاعلانات التجارية. أجرينا بعض التجارب، قبل أن ندرك ان عمليات ما بعد التصوير ستستغرق تسعة أشهر. الحديث عن التكنولوجيا شغلة معقدة. إتقان التكنولوجيا وجعل أداة العمل متاحة للجميع لا يصنعان المعجزات ولا يخلقان مبدعين حقيقيين. هناك قول قديم يقول: اذا جعلتَ القلم حقاً للجميع، كم وليم شكسبير سيكون لديك نتيجة هذا؟ الفكرة ذاتها بالنسبة للصورة. لدى الجميع كاميرات فوتوغرافية، ولكن كم عدد الذين سيعرفون استخدام التكوين والألوان، كأليكس وب او سيباستياو سالغادو؟ لا أعرف أحداً بموهبة هذين.
■ هل تعتبر نفسك فناناً أو معاوناً؟
– لا أعرف في الحقيقة. أرتاح أكثر إلى كلمة مدير تصوير. لا أحبّذ كلمة فنّ أو فنان. أرى في السينما وسيلة اتصّال أو تواصل. لا تهمّني فعلاً معرفة ما إذا كان فناً أو لا. لمَ نرتاد السينما؟ نرتادها لمشاهدة أفلام تكشف بعض الأسرار كنا نجهلها عن ذواتنا. آمل ألا يكون ما أقوله إدعّاء تافها. السينما لي تطرح تساؤلات وتغرقنا في الانفعالات وفيض المشاعر.
ديكنز حاملاً “أوسكار” أفضل تصوير هذا الصباح.
■ ألا تعتبرها ترفيهاً كالعديد من الأميركيين؟
– كنت على وشك القول انني أعتبرها “انترتنمنت” أيضاً. ولكن هذا يضعني في مواجهة سؤال آخر: ما الترفيه؟ أهو الميوزيكال أم الكوميديا أم أغنية كئيبة جداً لترانس فان سانتوس؟ أجد أنطونيوني ترفيهيا مثلاً. أفلامه تسلّيني مع معرفتي أن عديدين يجدونها مضجرة للغاية.
■ يقال انك كنت تحلم أن تكون رساماً تشكيلياً عندما كنت صغيراً. أهذا صحيح؟
– نعم، كان هذا حلمي عندما كنت طفلاً. لم أنوِ يوماً أن أشتغل وظيفة تقليدية تمتد من الساعة التاسعة صباحاً الى الخامسة عصراً. كنت أجهل تماماً ماذا أريد أن أفعل في حياتي. بدأتُ أرسم لأنه لم يكن أمامي احتمال آخر. ثم اكتشفتُ التصوير، وشيئاً فشيئاً دخلتُ عالم السينما.
■ لا تقلق، أنت الآن ترسم بالكاميرا بدلاً من الريشة…
– نوعاً ما، نعم. عملي امتداد للفنّ التشكيلي. أوافقك على ذلك.
■ ولكن، هل تنهل من ينبوع الرسم عندما تعمل على فيلم؟ قصدي هل تستلهم من لوحات كبار المعلمين؟
– أحياناً، يأتيني المخرج ببعض اللوحات ويقول لي: “هذا هو ما أريده”. وأحياناً أنا الذي أريه أشياء معينة. قد يكون فيلماً اذا لم تكن لوحة. لكني لا أستخدم أي مرجع بصري كي أنسخه بشكل بليد وممل. مرجعية كهذه تشكّل لي وللمخرج أرضاً للنقاش، لا أكثر ولا أقل.
■ هل هناك سينمائيون كنت أحببتَ العمل معهم لو كانوا على قيد الحياة؟
– بلا تردد: المخرج الفرنسي جان بيار ملفيل. انه مخرجي المفضّل. هناك أيضاً سام بكينباه. الآن سيكون صعباً أن أعمل مع أيٍّ منهما (ضحك). لا أحب أن أذكر أسماء مَن لا يزال على قيد الحياة، ولكن ثمة سينمائيون يعنيني جداَ العمل معهم.
■ هل يمكنك العمل مع مخرج يفرض عليك رؤيته ويخضعك لقراراته؟
– لم يحدث أن عملتُ على فيلم كانت وظيفتي فيه أن أكبس على الأزرار. قد يعمل آخرون على هذا النحو، لا أعرف. أنا لا أستطيع!
■ ما الأهمية التي توليها للجمالية في شغلك؟
– يجب التمييز بين الجمال والجمالية. مضمون قبيح يمكن تحويله الى صورة تكون في منتهى الجمال والروعة وفق المنظور الاستيتيكي. صورة مملوءة بالبشاعة قد تكون أيضاً صورة رائعة. في الفنّ التشكيلي، لا أعرف أحداً غير ادوارد مونخ استطاع أن يفعل ذلك. في السينما، الأمر صعبٌ جداً. نجحت “الواقعية الايطالية الجديدة” في الوصول الى هذا النمط، وايضاً أمثال ملفيل وبكينباه. اليوم، الكثير من الأفلام تروّج للجمال والتأنق عبر تكوينات بصرية تكتفي بأن تكون جميلة. أي ان المُشاهد يكتفي بالنظر الى شيء جميل. هذا خطأ كبير!
■ في مرحلة ليست بعيدة، راج العكس! ساد ميلٌ الى تشكيل صورة “حقيرة” أو “مشوهة”…
– نعم، لكن هذه الموضة أصبحت تلهي العين وتشغلها عما يُفترض أن يكون مركز اهتمام المُشاهد. أنا ضد تزويد أفلام صورة زائفة لا يعبّر مضمونها عن تلك الصورة. في المقابل، هناك أفلام تجد ان الكاميرا فيها لا تكف عن الدوران. يعتقد المصوّر انه ينجز واقعية وثائقية، هذا ايضاً لا يتماشى مع مفهومي للصورة. لعلّني من المدرسة القديمة، أفضّل أمثال ملفيل وميزوغوشي وكوروساوا.
■ هل هناك أفلام تحسد فيها مدير التصوير على الصورة التي أنجزها؟
– هناك العديد من الأفلام أحب النحو الذي صوِّرت فيه. في المقابل، كوني أحبّها كما هي، لا أرى لماذا أحسد مدير التصوير، ذلك أني لن أتمكن من الاتيان بأي تغيير أو تعديل لو أسندت اليّ مهمة تصويرها…
■ لا أتكلّم عن تغيير، أريد فقط أن أعرف إن كنتَ تندم على ان اسمكَ لم يرتبط بها…
– في الحقيقة، أعتبر نفسي محظوظاً لأنه أتيحت لي فرصة العمل على أفلام مهمة، حدّ انني لا أحسد أحداً على أي شيء.
■ ولكن، ألا تشعر بأسى أو بخيبة أمل جراء عدم نيلك أي “أوسكار” الى الآن؟
– لا. أفعل ما يحلو لي، هذا الأهم! الكثير من الأفلام العظيمة لم تنل أي جائزة. في الحقيقة، لا أكترث. “ظلال” لكاسافيتيس واحد من أروع الأفلام التي أُنجزت، هل أعطاه أحدهم “أوسكاراً”؟ 99 في المئة من هوليوود يجهلون حتى هذه الأفلام. يا للخسارة!
■ الا تزال تصوّر بالشريط السينمائي؟
– أحدث فيلم عملتُ عليه كان بالشريط، هكذا أراد مخرجه. كان مرّ بعض الوقت منذ آخر مرة صورتُ بالشريط. التقطنا المَشاهد بال”آري”، وبعد التصوير راحت الكاميرا الى المتحف (ضحك).
■ مدهشٌ شغلك على “سيكاريو” للمخرج الكندي دوني فيلنوف الذي لم ينزل بعد الى الصالات، وخصوصاً كلّ ما يتعلق باللقطات الجوية…
– لم أشارك في تصوير اللقطات الجوية. كان هناك فريق ثانٍ. لكن المَشاهد التي صوّرناها ليلاً، مثّلت تحدياً جمالياً كبيراً لي. فكلّ شيء تصوّره في عتمة الليل يبدو زائفاً عند عرضه على الشاشة. كان ينبغي ايجاد حلول تقنية أخرى.
■ عموماً، هل أنت الذي تطرح أفكاراً كهذه؟
– لا، بل تأتي نتيجة نقاش طويل مع المخرج.
■ هذا التعاون الثاني لك مع فيلنوف بعد “سجناء”…
– نعم. وأتمنى أن يستمر وينمو.
* الى أي نوع من المخرجين ينتمي؟ أرأيتَ فيه اختلافاً معيناً؟
– كلٌّ منّا على قدر من الاختلاف. شغله لا يشبه شغل سام مَندَس والأخوين كووين. حساسيته الفنية عالية، وأسلوبياً انسجمتُ معه الى حدّ بعيد.
■ هل تميل الى مواصلة العمل مع أشخاص تعرفهم وتتعاون معهم منذ فترة؟ أليس أسهل من البدء في كل مرة من الصفر مع شخص جديد؟
– نعم، أفضّل ذلك. في “سيكاريو” كان كلّ شيء على ما يرام مع دوني، وآمل أن نستمر هكذا في تعاوننا المقبل على “بلايد رانر” [توضيح من المحرر: دوني فيلنوف وروجر ديكنز يستعدان حالياً لتصوير تتمة فيلم ريدلي سكوت الشهير]. العمل على فيلم كهذا يتطلب أن تعرف المخرج الى حدّ ما، لأن التحدي كبير. إنها مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتقنا لأن الفيلم مرتبط بالفيلم السابق. أعتقد ان نقطة الانطلاق ستكون أكثر سلاسة كون أحدنا يعرف الآخر جيداً.

m2pack.biz