سياميّات

سياميّات

سياميّات (2)

عشتُ لأرى الطّبيعة مصابةً بالتوحّد، منزويةً قبالتي، طاردةً كلّ تعدّد وهادئةً بشكل لا يثير القلق أبداً!
مصدّقةٌ لما أرى، غيرُ منبهرةٍ بما يحدث. يحلّق طائر الرخ فوق رأسي تماما. حاملا إكليلا من الرؤوس البشريّة غير المرعبة، قبل أن يبتعد ويُسقطه في مكان مّا.. ليختفي أخيرا.
لا أتساءل عمّا يحدث.. كأنّني أعرف كلّ الإجابات مسبقا. أنا الآن سوف أفكّر على الأغلب في عذريّة ما يحيط بي من وجود. هذا إن كان وجودا؟
هل يكون نيان الصينيّ الذي عاش في الجبال والبحر عاد من جديد؟
نيان يظهر عند رأس السّنة الصينيّة ليهاجم الناس والأطفال خصوصا، وهو يخشى الضّجيج واللون الأحمر. امممممم، من الممكن جدّا.. كأنّما هذا رأس السنّة الجديدة..
على الأرجح أنّ الحياة مرّت من دورة كاملة جديدة. إنّه رأس دورة حياة جديدة. ما يدهشني هو أنّ الشّمس لا تغيب. اللّيل لا ينتهي. تبدو الشّمس مثل لمبة ضعيفة الإضاءة، أو قريبة من أن تصبح لمبة محروقة. لا نجوم في السّماء. أمور كثيرة أراها تتغيّر كلّما طالعتُها. لم أعد أقول إّنني عشت هذه الحياة في وقت سابق.. ولمن سأقولها؟
كلّ شيء جديد. هذه ليست نسخة من أيّ حياة. أجزم أنّني قد أعيش نسخة من هذه الحياة في ما بعد! أمرّ من الشّوارع، لا محلاّت هنالك. أشجار فقط. لا مساكن، لا جسور، لا مطر .. أشجار كثيرة فقط. لا أبواب فيها لأدلف منها. أين أدخل ومن أين أخرج؟
في كلّ شجرة أرى.. أرى .. أمر لا يصدّق ..
أرى رؤوسا كثيرة مقطوعة غير مقرفة ولا تصيب بالغثيان.. إنّها مزهرة.. جذّابة.. تطلقُ عطرا من غواية. أرى بطنا.. كبدا.. حواجب.. طقم أسنان.. خصلات شعر ..أيادي ممدودة.. أعناقا.. أرى وأرى وأرى… شبيهون لي يقطفونها، كأنّهم معتادون على القيام بهذا يوميّا ..
صوت مّا يحرّر رسائل حسيّة تتصاعد داخلي، هو أشبه بنشرة إخباريّة تشتغل في رأسي ..
يشتّت الصّوت تركيزي، يمغنطني، يُصدرُ ذبذبات تتكثّف أكثر فأكثر لتتحوّل إلى أوامر أجدها محبّبة ويسيرة..
الصّوت واضح يقول:
«والآن أقطف ما شئت من شجرة الميلاد الأحدث أمامك. الثّمار في تمام نضجها. هي شجرة عملاقة تسلّقْها من دون وجل. إنّها مبتلّة بالدّماء التي سقطت بغزارة خلال هذا الفصل الواحد الذي لن يغادرك.. حاذر الوقوع.. استمتع كيفما شئت قبل أن تبدأ العمل.
تزحلقْ مثلا بالذّراع الأيسر المعلّق هناك أقصى ذلك الجذع، أو تدحرجْ مع تلك الكتلة من الأعين إلى أسفل. ذلك اللّسان الذي يميل إلى الزّرقة، إيّاك وتناسيه. بإمكانك الإمساك به بما تبقّى من أسنانك. إحرص على أن تجرّه جيّدا. ما قولك في إلصاق هذه الخصلة من الشّعر في هذا الجزء من صدرك؟ بسرعة افتحْ الفم المتدلّي هناك، رائحته جِدّ طيبة. أحفرْ هنا مجرى نهر جديد من الدّماء… إنّها متدفقّة وحارّة.. ينقطع الصّوت. أشاهد سمكا يسبح بطريقة هستيريّة في دوّامة رمليّة احتفالا بشيء لا أدركُه.. شبيهون لي قادمون نحوي .. وهم يردّدون بنفس الهستيريّة :
أخيرا أينعتَ.. وحان قطافكَ…
شاعرة وقاصة من المغرب
منى أوفيق

m2pack.biz