شئون المجتمع4من اصل11

شئون المجتمع4من اصل11

شئون المجتمع4من اصل11
شئون المجتمع4من اصل11

واتسعت مواصلات التجارة العالمية في تلك البقاع- لم يكن مورد في العالم قط أعظم ولا أربح من هذا المورد الذي تهيأ لبيوت التجارة العريقة في قريش، ويكفي أن يسلم هذا المورد سنة في كل سنتين أو ثلاث ليغنم منه التاجر الكبير ألوف الألوف، ويأخذ من ربح سنة ما يعوض وقف التجارة سنوات.

ومن المعلوم في العصور الحديثة أن شركة الهند الشرقية جمعت الملايين من أرباح تجارة دون هذه التجارة في السعة والضمان، إذا كانت تؤدي الضرائب والإتاوات في البحر والبر، ولا تملك خطوطًا من المواصلات كتلك الخطوط التي تمهدت لأصحاب التجارات في الحجاز، أما أصحاب هذه التجارات فلم تكن عليهم ضريبة مفروضة غير الزكاة ونفقات الحراسة، وكانت أرباحهم معدنًا خالصًا أو عملة مقبولة في كل جهة من جهات العالم يومذاك، دون أن تتعرض لتقلب المضاربات في الأسواق بين أقصى المشرق في الهند وأقصى المغرب على الشواطئ الأطلسية.

فإذا قام على هذه التجارة العالمية عشرون بيتًا أو ثلاثون بيتًا من بيوت التجارة العريقة في مكة والمدينة، فليس من المبالغة أن يقال عنها انها كانت تملك الملايين وتعمل الفؤوس في حطام الذهب والفضة، فربما كانت المبالغة هنا إلى القلة لا إلى التزيد في التقدير.

ويهمنا أن نلتفت إلى مصدر الثروات من التجارة تصحيحًا بوهم الواهمين أنها قد اجتمعت كلها من غنائم القتال، فإن عطاء المقاتلين لم يكن يتفاوت هذا التفاوت في الأنصبة بين أكبر عطاء وأصغر عطاء، ولم يكن في وسع طلحة ولا الزبير ولا عبد الرحمن بن عوف أن يجمعوا من أنفال القتال ثروة تزيد على نصيب الأجناد بمثل ذلك الفارق الكبير.

وليس هذا كله ما يهم من تحقيق مصدر الثروة أو من الرجوع بأكثره إلى التجارة دون غنائم القتال: إذ المهم في الواقع أن المجتمع الذي تدور ثروته على الأعمال التجارية غير المجتمع الذي تدور ثروته على أعطية الجند من غنائم القتال دون سواها، فهما مجتمعان متغايران في آداب المعاملة وفي موازين الأخلاق وفي النظر إلى متع الحياة،

m2pack.biz