شكل وإزعاج\ حنا نور الحاج

شكل وإزعاج\ حنا نور الحاج

شكل وإزعاج.. حنا نور الحاج

– منزعجًا أراك حتّى التأفّف والنفور!
* يُزْعِجُنِيْ أَنْ يُنَفِّرَنِيْ مِنَ الْقِرَاءَةِ سَبَبٌ شَكْلِيٌّ لَيْسَ مِنَ الْمُفْتَرَضِ أَنْ يَكُوْنَ مُزْعِجًا لِيْ. مُزْعِجٌ أَنْ تَشْكُلَ كُلَّ الْكَلِمَاتِ فِيْ نَصٍّ كَتَبْتَهُ وَنَشَرْتَهُ كَيْ يُقْرَأَ. مُزْعِجٌ هُوَ لِلْقَارِئِ؛ مُزْعِجٌ لِلْعَيْنِ وَلِلذِّهْنِ. مِنَ الْمُزْعِجِ شَدِيدًا أَنْ تَشْكُلَ كَلِمَاتِ النَّصِّ حَرْفًا حَرْفًا. إِنْ لَمْ تُصَدِّقْ بَعْدُ، فَلَيْتَكَ تُعَاوِدُ قِرَاءَةَ بَعْضِ هذَا الْكَلاَمِ هُنَا؛ عَسَاكَ تَتَحَقَّقُ بِعَيْنِكَ!
– سأعاود القراءة. لكن، أخبرني… هل ثمّة أخطاء في الشكل هي كذلك من مزعِجاتك؟
* تلك تزعجني حقًّا، غير أنّ ما يزعجني أكثر هو الإقدام على الضبط بالشكل لحروف كلّ الكلمات في نصّ موجَّه إلى كبار السنّ، بصرف النظر عن وجود أخطاء أو عدمها. أليس مجرَّد هذا الإقدام هو في حدّ ذاته إزعاج وتنفير؟!
– يا أخي، ما الخطأ في هذا؟! أليس في الأمر وضوح وتوضيح؟!
* لا تنسَ أنّ من يقرأون كلماتك ليسوا في مرحلة الصفّ الأوّل الابتدائيّ، وأنّ ما تكتبه ليس مُدْرَجًا ضمن مقرَّر القراءة التدريسيّ في تلك المرحلة! معرقِل للكبار ومعيقٌ أن يقرأوا كلامًا ضَبَطَهُ صاحبه بالشكل التامّ أو القريب إلى التمام. معرقل مزعج.
– لِمَ أنت متطرّف متزمّت؟!
* متطرّف؟! متزمّت؟! يا لَتَسرُّع المُوَسوَس!
– مُوَسوَس؟!
* وجدتُك تكتب: “نَحْنُ لاَ نُرِيْدُ التَّأَخُّرَ”… ما حاجة جملة واضحة كهذه إلى ضبطها بالشكل التامّ؟! ما إمكانيّات الإخطاء فيها؟! كان في وسعك أن تكتب: “نحن لا نريد التأخّر”، ولن تجد مَن يستعسر القراءة أو الفهم. دع الشكل للحالات التي فيها ترغب أن تأمن اللبْس وألاّ يعرقل سيرَ القراءة معرقِلٌ. محاولة توضيح ما هو ساطعُ الوضوح جهدٌ مضيَّع مستهين (ومهين!). أنت تكتب نصًّا قرائيًّا. أنت لست في امتحان في قواعد لغة الضاد تقوم فيه بالإجابة عن سؤال على غرار: “اضبط كلمات القطعة التالية بالشكل التامّ”!
– ألا تخشى أن تسبّب انزعاجاتك هذه إزعاجًا؟
* إن لم تسبّبه، فهي كذلك جهد مضيَّع؛ لكن لا أظنّني سأكون نادمًا مستخسِرًا.

m2pack.biz