ضمن ندوات معرض الكتاب في دورته الـ 46 «كتيبة سوداء» لمحمد المنسي قنديل…واقعة تاريخية نحياها الآن

ضمن ندوات معرض الكتاب في دورته ال 46.. «كتيبة سوداء» لمحمد المنسي قنديل…واقعة تاريخية نحياها الآن

ضمن ندوات معرض الكتاب في دورته ال 46.. «كتيبة سوداء» لمحمد المنسي قنديل…واقعة تاريخية نحياها الآن

القاهرة «القدس العربي»: تبدو الحادثة في واقعها تاريخية، مجرد حادثة ضمن الكثير من حوادث يحفل بها التاريخ المنسي… كتيبة عسكرية من العبيد في جنوب مصر، تحارب تحت لواء الجيش الفرنسي ضد دولة المكسيك عام 1863، ذلك عندما طلب الإمبراطور الفرنسي من الخديوي إسماعيل مساعدته في حربه على المكسيك، فأرسل رعاياه المقدر عددهم ب 500 جندي، ليكونوا في خدمة فرنسا وجيشها. ولكن الروائي محمد المنسي قنديل ينسج ويُشييد من الحادثة عالما كامل التفاصيل في روايته «كتيبة سوداء» الصادرة حديثاً عن دار الشروق ليصبح الأمر ليس مجرد واقعة تاريخية، بل لحظة فارقة تحياها الدول التي تعيش وتموت في سبيل صراعات القوى العظمى، حالة من التماس مع ما يحدث الآن، وكأنه أمر مزمن عليه أن يستمر حتى لحظتنا هذه. الرواية وصاحبها كانا ضيفا الندوة التي أقيمت ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، التي شارك فيها القاص والكاتب سعيد الكفراوي، وأدارها الروائي طارق إمام، الذي قدّم محمد المنسي قنديل باعتباره من أكبر روائيي مصر الآن، وسمته المميزة أنه مهتم بالتاريخ والحوادث التاريخية كبيرة الدلالة في عصرنا الحالي، وهو ما يعطي لكتابته مكانة متميزة في الرواية المصرية والعربية.
من التاريخ إلى الأسطورة
تحدث الكاتب سعيد الكفراوي في البداية موضحاً ما فعله المنسي قنديل بمجرد واقعة تاريخية، وقد حوّلها إلى أسطورة بفضل خياله الروائي، أسطورة تبدأ من التاريخ وتمتد إلى الواقع الحالي الذي نعيشه. وهي بذلك تجسد ذلك الصراع بين القوى العظمى واستخدام الدول الصغيرة وقوداً له، وهو ما يمثل العنصرية والعبودية في أوج صورها، سُلطة مُستعمِر تقوم على النهب والفساد. هذه العبودية التي تتجلى طوال الرواية في عدة أشكال، وتبدو أكثر حدة في علاقة بين أحد العبيد، وامرأة بيضاء تنتمي لعالم آخر، لا تجد في العبد إلا استغلاله جنسياً، حتى لو كان من خلال علاقة رجل وامرأة في الظلام.
الصراع الكولونيالي
ويضيف الكفراوي أن المنسي قنديل جسّد من خلال النص الروائي ملامح الصراع الكولونيالي، والنظرة المُتعالية التي يرى بها الغرب الشعوب الأخرى، والذي يُصر على انتهاك براءتها وتلويثها بذنب أطماعه.. فالفرنسية التي تُبلِغ عن الزبير تاجر العبيد النوبي، تكون سبباً في أن تأتي السُلطة وتأخذ عبيده إلى الخديوي، الذي يرسلهم في خدمة الفرنسيين في قتالهم بالمكسيك، الذين يصلونها عبر البحر، لتدور الأحداث بعدها حول الصراع الأوروبي حيث ماكسيميليان ولي عهد النمسا، وشقيق الإمبراطور، الذي عُيّن إمبراطورا على المكسيك بعدما عُرض عليه عرشها نظير تنازله عن أحقيته لشقيقه عن العرش. صراع يتم فيه استغلال عبيد بلاد بعيدة لقتال فقراء بلاد أبعد يصلونها بعد مشقة وعناء شديدين، وينتهون أسفل شواهد قبور لن يتعرفها أحد.
مجرد خبر في دورية قديمة
ويوضح مؤلف الرواية محمد المنسي قنديل فكرة وظروف كتابتها، بأنه قرأ تقريراً في إحدى الدوريات القديمة حول زيارة وفد عسكري مصري إلى المكسيك، ليضع أكاليل الزهور على مقابر جنود الكتيبة المنكوبة، إلا أن هذا الوفد لم يجد لهذه المقابر أي أثر. هذا الحادث تم التعرض له بالفعل من خلال كتابات المؤرخ عبد الرحمن الرافعي، ولكن باقتضاب شديد لم يفسر أو يوضح شيئا، وهو ما لم يعتده الرافعي الذي كان يذكر الحوادث التاريخية في تفصيل كبير! وهو ما أدى إلى سفر المنسي قنديل إلى المكسيك ومحاولته لملمة التفاصيل المنسية، وتشييده عالم روائي يرسم التفاصيل الكاملة والدقيقة من وجهة نظر فن الرواية، أي تفسير الحدث ونتائجه وظروفه، كما أشار المنسي قنديل إلى أنه بعد هذه الواقعة بعشر سنوات وقعت مصر في الفخ نفسه الذي وقعت به المكسيك، بعدما تراكمت ديونها وبدأت الدول الاستعمارية المُطالبة بها، حتى انتهى الأمر بضرب مدينة الإسكندرية، وأرجع المؤلف أن ما حفزه على كتابة الرواية أنها تتماس مع الحاضر الذي نعيشه، وأن الأحداث التاريخية التي تمتد لأكثر من قرن ونصف لم تزل صالحة لتشابه الظروف بأن تكون مادة خصبة للحديث عن اللحظة الراهنة.

m2pack.biz