ضم 60 لوحة لموفق الطائي وبيات مرعي الموصل تشهد أول معرض تشكيلي رقمي بعد طرد داعش

ضم 60 لوحة لموفق الطائي وبيات مرعي.. الموصل تشهد أول معرض تشكيلي رقمي بعد طرد داعش

ضم  60 لوحة لموفق الطائي وبيات مرعي.. الموصل تشهد أول معرض تشكيلي رقمي بعد طرد داعش

الموصل «القدس العربي» من مروان ياسين الدليمي: شهدت مدينة الموصل العراقية للفترة ما بين 20 23 نوفمبر/تشرين الثاني إقامة معرض تشكيلي رقمي مشترك حمل عنوان «ما بعد الحطام» ضَمَّ 60 لوحة خرجت من مشغل الفنَّانَين موفق الطائي وبيات مرعي. وجاء المعرض مفاجأة للوسط الفني، لأنه الأول بعد تحرير المدينة وخروجها من نكبة سقوطها تحت سلطة تنظيم «داعش» التي امتدت ثلاثة أعوام، إضافة إلى أن المعرض كَسَر التوقع والمألوف في سياق المشهد التشكيلي، طالما أن التجربة ذهبت بعيدا داخل تلاقحات المغامرة الفنية، باعتمادهما على الرسم الرقمي وليس الرسم المشغول بالأدوات التقليدية.
وكأن رمزية هذا الحدث الفني تأتي لتؤكد على أن هناك مخاضا فنيا كان يتشكل تحت طيّات المُحرّم والمحظور في مدينة الموصل طيلة فترة خضوعها لسلطة الإرهاب، وهي العريقة بريادتها الفنية، بما يعني تبلور محاولات جديدة لدى فنانيها بدأت تشتغل خارج إطار الذاكرة التقليدية والمتن الفني المتداول، من حيث الأدوات والتقنيات والمخزون الحِرفي، التي من خلالها يحاول الفنان التشكيلي الموصلي دخول منطقة جديدة في مغامرته الفنية، لن يكون ملزما فيها اللجوء إلى معطيات مألوفة، إنما الاحتفاء بممكنات الاكتشاف والخلق في مساحات جغرافية رقمية، قاصدا من وراء ذلك تحريك الواقع بإضافات جمالية تمنح خياله المبدع مساحات منفلتة، تتماهى مع المتغيرات التقنية وفضاءاتها اللامحدودة، ولأجل التعّرف على تفاصيل هذه التجربة المثيرة أجرينا هذا الحوار مع الفنَّانَين موفق الطائي وبيات مرعي.
■ هل هنالك فكرة محددة اتفقتما على أن تكون محورا مركزيا تدور حولها اللوحات طالما أن المعرض كان مشتركا؟
□ موفق الطائي: جاء المعرض بعد معاناة كبيرة في إخفاء لوحاته التي وصل عددها إلى ستين لوحة عن أعين الرافضين للجَّمال طيلة الثلاثة أعوام الماضية التي سقطت فيها المدينة تحت سلطة الإرهاب منذ العاشر من شهر يونيو/حزيران 2014، والمعرض عبارة عن تجربة حاولنا من خلالها التعبيرعن مخاضات الوجع والحزن التي عاشها الإنسان الموصلي طيلة الأعوام الثلاثة الماضية، والتي قدم فيهاالتضحيات الجسام من أجل الحفاظ على قيمه ومبادئه الإنسانية والحضارية، التي ورثها من ذاكرة مدينته العريقة. وفي ما يتعلق بالجانب الفني من هذه التجربة فقد حاولنا أن نسخِّر كل التقنيات الحديثة التي أوجدها التطور التكنولوجي في مجال (برامج التصميم)على الكومبيوتر، والتي شملت العديد من المسارات الفنية، وكان من نتائجها (الفن الرقمي).
□ بيات: كل واحد منّا، أنا والفنان موفق، يمتلك قدرا كافيا من الخبرة في التعامل مع الضوابط الأكاديمية لصناعة عمل فني، لأننا مختصّان في مجال العمل المسرحي أكاديميا، وكما تعلم أن الفن المسرحي هو الحاضن لكل الفنون ومن بينها الفن التشكيلي، ومن هنا كانت خصوصية التجربة لدينا في أنها تتحرك تحت مسقط رؤية العين الثالثة لكل منّا، وقد تزامن ذلك مع رغبتنا في الدخول إلى عالم التكنولوجيا الحديثة، وكما يدخل الرسام إلى مرسمه ليجد أمامه فرشاته، أخذ الكومبيوتر يتحول إلى مرسمنا ويأخذ بنا إلى عوالم أخيلتنا، وبذلك أسقطنا فكرة أنه جهاز كهربائي فقط، إنما عالم واسع في إمكاناته نستطيع أن نقدم من خلاله أجمل الرسائل الإنسانية والجمالية والفلسفية، في ما لو استخدمناه بالشكل الأمثل. إن إنتاجنا للوحة يخضع تحت مدى تجريبي متحول عندما نريد أن نطرح فكرة ما، ربما تكون بسيطة جدا إلاّ أن اشتغالنا عليها يأخذ الكثير من الوقت والعديد من الطروحات والبدائل.
■ الى أي مدى يمكن أن يكون الرسم الرقمي قادراً على أن يزاحم الرسم التقليدي في حضوره وتأثيره ومكانته؟
□ موفق الطائي: الفن الرقمي من الفنون الحديثة نسبيا وهو في حالة تطور سريعة، وليس هنالك من قواعد معينة تحكمه، ومن الممكن لأي فنان ابتكار طريقته الخاصة، عبر استخدامه عديد الخيارات المتاحة أمامه في برامج التصميم اللامحدودة، وهنا يأتي دور طاقته التخيلية في إضافة ما هو جديد لهذا الفن. ومعرضنا المشترك جاء ثمرة انغمارنا في هذا العالم الجديد، باعتمادنا على مجموعة برامج للرسم والتصميم الرقمي استندنا إليها وانطلقنا منها، نظرا للعدد الضخم الذي وفرته لنا من أدوات وفرش وتأثيرات خاصة وألوان رائعة. في كل الأحوال نحن نعتبر هذا المعرض تجربة فريدة لكلينا، وظفنا فيها تراكمات خبرتنا ومعرفتنا الطويلة بعالم الفن التشكيلي والتصميم، ولا بد أن أؤكد أيضا على أن الرسم بالطريقة التقليدية يبقى محتفظا بحضوره الساحر، ولكل منهما (الرسم على القماش والرسم الرقمي) مساره التقني الذي يميزه عن الآخر، إلاّ أنهما يلتقيان في مسألة السعي الحثيث للتأثير على المتلقي واستفزازه بصرّيا، من أجل توصيل خطاب فني في إطاره الإنساني والجمالي.
□ بيات مرعي: في كل الأحوال الرسم الرقمي لا يعني التصميم الجرافيك، فالفرق بينهما كبير، والرسامين الرقميين في العالم يعانون من هذا الأمر، وفي كثير من الأحيان لا يصدقهم الكثير من المتلقين، إذ أن لديهم فكرة مسلّما بها بأن الكومبيوتر لا يُستخدم في الرسم، وأن برامج مثل الفوتوشوب وغيرها تبقى محصورة في حدود تعديل الصور الرقمية، ولا علاقة لها بالرسم. كما يعتقد كثيرون أن اللوحة الرقمية غير جديرة بأن تعتبر فناً، لأنها ليست مَشغَولاً يدوياً، كما هي اللوحات التقليدية، والكثير من الناس يفترض للوهلة الأولى أن الرسام الرقمي لا يفعل شيئاً، وأن الكومبيوتر هو الذي يتكفل بعملية رسم اللوحة وتلوينها في دقائق معدودة، بدون تدخل من الرسام، وهذه مشكلة كبيرة تحتاج إلى تقديم المزيد من الدعم لهذا الفن لكي يحوز مكانته التي يستحقها في الوسط الفني. أنا شخصيا أجد اهتمامي بالرسم الرقمي ومستقبله لا يعني أبداً إهمالي للرسم التقليدي أو إقصاءه عن الساحة الفنية فلكل فنان مجاله.
■ انتما فتحتما مسارا فنيا جديدا في المشهد التشكيلي، سواء في الموصل أو العراق عموما، ربما هنا يطرح سؤال جوهري يتعلق بجمهوركم، فهل تتوقعان أن يتشكل هذا الجمهور من الجمهور التقليدي للفن التشكيلي ذاته؟ أم أنتم تخاطبون متلقيا جديدا؟
□ موفق الطائي: جمهورنا الجمهور المتذوق للفن بشكل عام، ومع هذا فإن التقنيات الحديثة ساعدت الفنان على خلق حالة من الإبهار والدهشة، بمعنى أن اللوحة الفنية التي نشتغلها بهذه التقنيات المتطورة، تمنحنا مساحة أوسع في توصيل أفكارنا، نظراً لما تمتلكه هذه البرامج التصميمية من قدرات رائعة في الألوان والأشكال، وأعتقد أن (الفن الرقمي) بدأ يأخذ حيزا كبيرا في مساحة الشغل الفني، وهذا الأمر يذكرنا بتأريخ الفنون وتطورها عبر حقب زمنية متعاقبة، وما تركته من تأثيرات عليها، إذن الأمر لا يخرج عن سياقه التأريخي للتطور، وأتوقع أن يكون لهذا الفن عشاق ومتذوقون.
□ بيات مرعي: ربما سنواجه الصراع القائم ذاته بين ما هو تقليدي وما هو جديد، لأن عملية خلق الجديد تحتاج إلى وقت لاستيعابها والتفاعل معها، وأنا أجد أن الأجيال الشابة أقرب إلى استيعاب وتلقي تجربتنا، لأنها تتعامل مع لغة الحاسوب والعالم الرقمي، ولا ننسى أنه قبل عدد من السنين من منّا كان يتصور أن بإلامكان إرسال صورة عبر الفضاء، أو ضمن إشارات معينة إلى مكان بعيد جدا، وها قد جاء هذا اليوم وأصبح مألوفاً، أعني لا بد من القبول بفكرة استبدال أدوات الأمس بمفردات اليوم والغد، إذا كانت النتائج أفضل من نتائج الأمس، وبالتأكيد أنا لا أعني التخلي كلياً عن أدوات ومفردات الأمس، لأنها في النتيجة هي أساسيات حقيقية نعتمد عليها حتى في صياغة المستقبل، والدليل أننا استخدمنا القماش في طبع لوحاتنا عليه، كما يُستخدم في اللوحة التي يتم إنتاجها بالطريقة التقليدية.
■ هل من تجارب فنية تلتقي مع خصوصية ما أنجزتم، سواء داخل أو خارج العراق، واين تكمن فرادة التجربة الخاصة بكما من حيث الأسلوب؟
□ موفق الطائي: هناك الكثير من التجارب الفنية التي اعتمدت هذا الفن، سواء داخل العراق أو خارجه، ولكن لكل فنان يشتغل بهذا النمط الفني بصمته التي تميز نتاجه عن الآخرين، والأمر يخضع لجملة معطيات تتعلق بالموهبة والخبرة والثقافة، أنا شخصيا حاولت خلق مزاوجة بين روحيّة المُلصق واللوحة التشكيلية، هذا من ناحية الشكل، أما من حيث المضامين فقد حاولت أن أرصد عذابات الإنسان الموصلي الذي عاش محنة وتجربة قاسية جدا.
□ بيات مرعي: من المؤكد هناك تجمعات تعمل في هذا المَشغَل ولها مواقع على شبكات التواصل الاجتماعي وهي آخذة بالانتشار سريعاً، كذلك هناك مسابقات دولية وعالمية في هذا الاتجاه، وقد أخذت أسماء تلمع في هذا التوجه، وهناك تقبل ملحوظ عالمياً من قبل الأطفال نحو هذا الفن الجديد، وقبل فترة قريبة قرأت في أحد المواقع الإلكترونية أن إحدى الدول المتقدمة اعتمدت الفن الرقمي درساً منهجياً في المدارس، أيضا تم اعتماده منهاجاً نظريا وعمليا في العديد من الأكاديميات الفنية المتقدمة.
■ هذا أول معرض تشكيلي ورقمي في الوقت نفسه بعد تحرير الموصل، هل من دلالة لهذه الخطوة من جانبكم؟ أم أنها تأتي من باب الصدفة؟
□ موفق الطائي: المعرض جاء في هذا التوقيت بشكل مدروس، باعتباره رد فعل طبيعي من قِبلنا، لأننا نعمل في الميدان الفني والثقافي منذ أكثر من أربعة عقود، وكان لابد أن يكون لنا موقف فني نعبر من خلاله عن روح المدينة التي ننتمي لها، ولن نتخلى عنها مهما كانت التحديات التي تواجهها. وبعد تلك المحنة القاسية التي عشناها معها كان لا بد أن ننفض عنها وعبر الفن رماد الحرب لكي تستعيد عافيتها بأجمل مما كانت عليه، حتى قبل أن ينال منها الإرهاب وتثخنها الحرب بجراحات عميقة، والخلاصة أن المعرض كان بمثابة هدية قدمناها للمدينة التي نعشقها.
□ بيات مرعي: معرضنا لم يأت بالصدفة، لأننا منذ سنوات طويلة ونحن نخوض في تجارب عديدة ونتنقل من برنامج إلى آخر على الكومبيوتر، وفي الحقيقة بدأ التفكير والعمل بهذا المعرض قبل سقوط مدينة الموصل تحت سلطة تنظيم «داعش» وبعد سقوطها المفاجئ كان علينا أن نخفي تلك اللوحات عن الأنظار، خشية أن تقع بيد من كانت له القدرة على إنزال عقابه الوحشي علينا، وبعد انتهاء تلك الفترة المظلمة أخرجنا تلك اللوحات من تحت حطام المدينة ومن هنا كان عنوان المعرض (ما بعد الحطام) .
ضم 60 لوحة لموفق الطائي وبيات مرعي: الموصل تشهد أول معرض تشكيلي رقمي بعد طرد داعش

m2pack.biz