طلعت حرب وتحدي الاستعمار (الفقرة من 16 الى 248)

وبالرغم من توفير النظام لحوافز كافية للملتزمين للقيام بتوريد القسط الأعظم من الضرائب والحبوب في إسطنبول ، إلا أنه ساعد كذلك على خلق مراكز قوى مناوئة في مصر ، حتى أنه بحلول القرن السابع عشر أضحى ممثل السلطان لا يعدو أن يكون مجرد سجين افتراضي لدى طائفة المماليك التي عادت لتحكم قبضتها على الاقتصاد وجهاز الدولة .

طلعت حرب وتحدي الاستعمار2
طلعت حرب وتحدي الاستعمار2

وبينما نجح المماليك في التصدي للعثمانيين وإعادة بسطنفوذهم على مصر ، فإنه لم يكن بمقدورهم مواجهة النفوذ المتصاعد منذ أواخر القرن الثامن عشر لرأس المال الأجنبي . وعلى الرغم من الحاجة للقيام بالمزيد من البحث في هذه النقطة ، فإن توغل رأس المال الأجنبي هذا يبدو أنه نتج بالأساس من الحاجة للحبوب المصرية في أوروبا ـ خصوصاً في جنوب فرنسا . وكما حدث في تركيا العثمانية ، وجد المماليك في مصر أنفسهم مضطرين للاستثمار في التقنيات العسكرية المكلفة للمحافظة على حكمهم لمصر . هذا فضلاً عن استنزاف الفوائض المصرية عن طريق إنفاقها على الكميات لهائلة من سلع الرفاهية التي أتيحت للطبقة المملوكية الحاكمة . فأدت الحاجة لاستعمال أعداد متزايدة من المرتزقة لاستخدام وسائل الحرب الحديثة ، وتزايد رغبة المماليك في سلع للتناغم الاجتماعي بين المماليك . علاوة على ذلك ، فإن الدوامة التضخمية التي لحقت بالاقتصاد المصري ، والتي صاحبت تحوله للصورة التجارية بشكل متزايد ، زادت من صعوبة توفير المماليك للنفقات اللازمة للحفاظ على مستوى معيشتهم البذخي .

m2pack.biz