طلعت حرب وتحدي الاستعمار (الفقرة من 26 الى 248)

فضلاً عن ذلك ، فإنه يمكن تتبع محاولة محمد علي الطموحة لبناء دولة مصرية قوية من خلال تقصي أهداف سياساته الخارجية ، فعلى الرغم من نجاح جيوش الباشا في التوغل داخل سوريا ، وكذا تأليب عدد من الأعيان في وسط الأناضول ضد السلطان في إسطنبول ، فإنه لم يكن بمقدوره الحفاظ على هذه المكاسب . وكان من الأسباب الرئيسية وراء فشل محمد علي داخلياً وخارجياً هو نقض الأيدي العاملة ، حيث لم يتوافر عدد كاف من الفلاحين للوفاء بحاجات الإنتاج المحل وكذا لخدمة القوات المسلحة ، كما دفعت المحاولات المصرية للتحكم في إنتاج الحرير في بلاد الشام والزيت في كريت وتجارة القهوة في الحجاز وكذا تجارة التوابل من خلال مينائي مصوع وسواكن على البحر الأحمر الإمبراطورية العثمانية وبريطانيا العظمى للتحالف فيما بينهما ـ وإن كان بصورة مؤقتة ـ في ما تمثل في الاتفاقية الإنجليزية التركية في 1838 ، ثم اتفاقية لندن عام 1840 . وكان مضمون الاتفاقية الأولى إرغام محمد علي على إلغاء التعريفات المفروضة على الصادرات الأوروبية ، وإنهاء احتكاره للنقل البري والنهري ، بينما تم بمقتضى الاتفاقية الثانية إجبار الباشا على إجراء تخفيضات على حجم قواته المسلحة ، وبهذا مثل عام 1840 بداية الانهيار الفعلي لنظام محمد علي على الرغم من استمرار الباشا في سدة الحكم حتى وفاته عام 1849 .

طلعت حرب وتحدي الاستعمار
طلعت حرب وتحدي الاستعمار

وقد شهدت فترة حكم محمد علي تغيرات اجتماعية ملحوظة ، وكان لها تداعيات جمة من حيث نمو الوطنية الاقتصادية وتأسيس بنك مصر في مطلع القرن العشرين . وعلى الرغم من استفادة الطبقات الحضرية الوسطى من الانتعاش التجاري خلال القرن الثامن عشر من خلال تراكم رأس المال لديهم ، فإنهم حافظوا على استقلاليتهم كشريحة اجتماعية مختلفة عن طبقة المماليك الحاكمة ، هذا فضلاً عن عدم قيامهم بأي دور سياسي فاعل فيما عدا ما أنيط بهم القيام به من خلال حكمهم في الأزهر والطرق الصوفية .

m2pack.biz