عروض إستعادية في «سينماتيك» تولوز لأعمال الأخوين «بارتون فينك» لجويل وإيثان كووين مناهضة الكتابة الهوليودية

عروض إستعادية في «سينماتيك» تولوز لأعمال الأخوين.. «بارتون فينك» لجويل وإيثان كووين.. مناهضة الكتابة الهوليودية

عروض إستعادية  في «سينماتيك» تولوز لأعمال الأخوين.. «بارتون فينك» لجويل وإيثان كووين.. مناهضة الكتابة الهوليودية

باريس «القدس العربي» من سليم البيك: كان حزيران/يونيو شهر الأخوين كووين في سينماتيك تولوز، حيث تقدّم المكتبة السينمائية في المدينة عروضاً استعادية لمخرج أو اثنين كل شهر. أخيراً، عرضت 18 فيلماً للأخوين، اللذين شكّلا بأفلامهما، وقد كتباها وأخرجاها وأنتجاها معاً، ما يمكن أن يطلق عليه، سينما أمريكية خاصة بهما ومستقلة، انطلقت في ثمانينيات القرن الماضي، وما زالت مستمرة حتى اليوم، بتفاوت في جودة أفلامهما التي غالباً ما تكون لافتة وقد تترك علامة في التاريخ الحديث للسينما الأمريكية.
وشملت العروض أفلامهما من باكورتها «بلود سيمبل» (1984) إلى آخرها «هايل سيزر» العام الماضي، مروراً بالعديد منها قد يكون أفضلها «فارغو» (1996) و«لوباوسكي الكبير» (1998) و«لا بلد للكبار» (2007) و«ترو غريت» (2010) وغيرها كفيلم «بارتون فينك» (1991) أفضلها جميعها برأينا، وهو ما سنتناوله هنا بمراجعة خاصة.
بارتون فينك، الشخصية الرئيسية، أو الأنتي هيرو، مؤلّف مسرحي منتشٍ بنجاح نصٍّ له في مسارح برودواي، عام 1941، وبفضل نجاحه هذا استدعته هوليوود إلى استديوهاتها ليكتب سيناريو لفيلم تجاري، (أفلام B). يهجر مسرحه الجاد في نيويورك ليتوجّه إلى هوليوود، كنوع من الارتقاء المادي، بعد تمنّعٍ لفترة لأسباب أخلاقية ومبدئيّة، تحجز له شركة الإنتاج غرفة بائسة في فندق كئيب، من المفترض أن يكتب فيه سيناريو لفيلم استهلاكي يحكي عن مُصارع، ما هو بعيد تماماً عن المسرح، بل عن موضوعات فينك المسرحية وهي أقرب إلى التّجريب والالتزام، وهو بذلك سينتقل من الكتابة لغايات فنّية وفكرية إلى الكتابة لغايات تجارية وترفيهية، وهي النقلة الرمزية من المسرح إلى السينما في أمريكا تلك الحقبة.
ويقضي الكاتب معظم الفيلم في غرفته الرّخيصة والقذرة والمعتمة، في فندق بممرٍّ طويل وبهو واسع وخالٍ، لا نرى فيه غير فينك (جون ترتورو) وجاره (جون غودمان) غريب الأطوار. الإضاءة خافتة في غرفته، ورق الجدران الأخضر الكئيب ينسلخ عن الجدار، وكتلٌ من الصّمغ تسيل منه بصوت مقرف، البعوض لا يتركه ينام، وحين يستيقظ يذهب بوجهٍ مبقّع إلى المكتب الباذخ للمنتج الذي لا يكفّ عن ترديد أنّ نجم شركة الإنتاج هو الكاتب، فهو المبدع، وفي واحدة من الزّيارات يقبّل قدمَي فينك بشكل هزلي استعراضي، إنّما دون أي تقدير حقيقي لكونه كاتباً، وهو ما نلمسه من أحاديثه مع الآخرين، اعتداده بنفسه ككاتب، وخيبته من عدم تقدير الآخرين له بصفته كاتباً.
بين زيارة وأخرى إلى مكتب المنتج تزداد معاناته في غرفته، من اليوم الأوّل يسمع ضحكات، ثمّ صراخاً جنسياً. جاره الذي اشتكى فينك بدايةً من الضّجة التي يصدرها، سيصير زائراً دائماً وملحاً له، وسيكون حشرياً وسيجعل أخيراً من حياة بارتون نفسها فيلم جريمة وتحقيقات.
أمام كلّ ذلك، من الكتابة على هوى الاستديو إلى أجواء الغرفة، وهي ظروفٌ كافكاويّة لا مخرج منها، كالمتاهة التي لا يفهم بارتون كيف دخلها ولا كيف سيخرج منها، لا بدّ أن يُصاب أخيراً بالرايترز بلوك، أي العجز التام عن الكتابة، بعد تجربة نجاح كبيرة في المسرح، حيث كان يكتب ما يريد هو كتابته، لا ما يُطلب منه لأسباب خارجة عن قناعاته وتخص شبّاك التذاكر.
وحين عُرض عليه الكتابة لهوليوود مقابل 1000 دولار أسبوعياً، رفض قائلاً بأنّ مكانه هو المسرح، وأنّ أمامه نجاحا من نوع آخر، ليس من النوع الذي يجني فيه الكثير من المال، بل نجاحا حقيقيا، النجاح الذي لطالما حلمنا به، خلق مسرح حيّ وجديد، من وعن ولأجل الإنسان العادي. لطالما تكلّم بارتون عن الإنسان العادي في وقت لا يرى فيه نفسه أقل من مبدعٍ استثنائي وخلّاق. هذه المحادثة السريعة والباكرة التي جرت في بار قدّمت شخصية بارتون التي لن تنسجم أبداً مع الشكل الهوليوودي للكتابة و»الإبداع» وبالتالي النجاح.
على الجدار أمامه معلّقة صورة لامرأة من الخلف، جالسة على الشّاطئ، يتأمّلها مراراً محاولاً أن يبدأ بالسّطر الأول من السيناريو، ويعجز. يحاول أن يخرج من الغرفة ويدخل بخياله إلى الصورة، هرباً مما هو فيه إلى ما يمكن أن يوحي بالجمال والحرية، وهذه من التهويمات السينمائية الخاصة بالأخوين كووين، تتكرر في أفلامهما. يتقدّم الفيلم بشكل عبثي، ما يمكن اعتباره دخولاً للمُشاهدين إلى خيال فينك خارجين معه من واقعه، ليجد نفسه أخيراً على الشّاطئ ينظر من الخلف إلى الفتاة ذاتها، إنّما من خارج الغرفة الكئيبة، بعد انهيار أبوكاليبتي على شكل حريق. ولا نعرف أخيراً هذا القسم الطويل نسبياً من الفيلم، آخره، إن كان واقعاً أم خيالاً؟ أم حلماً لدى بارتون؟ الفيلم (Barton Fink) الذي جعل الأخوين كووين في مصاف المخرجين المنتظرة أفلامهم، من إخراج جويل كووين، وكتابة إيثان وجويل وإنتاجهما. نال في مهرجان كان السّعفة الذهبيّة وجائزتَي أفضل مخرج وممثل، وهي المرة الأولى في تاريخ المهرجان التي ينال فيها فيلم واحد جوائزه الكبرى.

m2pack.biz