فيلم «مكتوب» للتونسي عبد اللطيف كشيش.. ثلاث ساعات من الرتابة والملل
باريس «القدس العربي» من سليم البيك: بعد فيلمه الذي نال السعفة الذهبية في مهرجان كان عام 2013، «حياة أديل»، خرج المخرج التونسي الفرنسي عبد اللطيف كشيش بفيلمه الذي شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي الأخير، بما دون التوقّعات، إثر انتظار دام لخمس سنين بعد فيلم السعفة الذهبية.
يحكي الفيلم عن شاب فرنسي من أصول تونسية، اسمه أمين، في مدينة سيت الجنوبية، عام 1994. يعود أمين إليها في زيارة من باريس، حيث بدأ عمله في كتابة السيناريو. وفي المدينة الساحلية يمضي الوقت مع أصحاب طفولته ومع آخرين، إضافة إلى والدته.
أتى الفيلم من زاوية نظر أمين، عين الكاميرا هي عينه، ما نراه ونسمعه هو غالبا ما يراه هو ويسمعه، المَشاهد ترافقه، إمّا بشكل كامل أو أنّها تسبقه أو تلحقه، إنّما حيث يكون تراقبه الكاميرا كما يراقب هو الآخرين.
يبدأ الفيلم بوصوله إلى المدينة، وينتهي به عائدا منها، يبدأ بالكاميرا أمام أمين، نراه آتيا، وينتهي بالكاميرا خلفه، نراه ذاهبا. ولأنّ الفيلم كان عبارة عن رؤيته لما حوله، أتى بمشاهد طويلة متتالية، حيث تواجد، لكن المشاهد كانت ثرثارة، ومطوّلة ومحشوّة بما جعل الفيلم، أخيرا، فيلما في ثلاث ساعات امتلأ بالملل وافتقر لما يمكن، في الحوارات المطوّلة، أن يبقي المُشاهد عالقا ومتابعا لهذه الحوارات التي كانت في الفيلم، في غالبها، عادية يومية ليس لها موضوع محدّد، وسطحية، والأهم أنّها لا تتطوّر ولا تترابط بما يمكن أن يجعلها خطّا عاما تسري حوله حكاية، فلا من حكاية هنا، وخلوّ الفيلم من حكاية كشف هشاشة السيناريو والحوارات.
ليست الحكاية أساسية في الأفلام عموما، إنّما يمكن أن يعوّض غيابَ الحكاية حواراتٌ ذكيّة تكون هي، كحوارات، الحكاية، أو تكون الحوارات هي الفضاء الذي تجري فيه الأحداث. هنا، في هذا الفيلم، كانت الحوارات رتيبة تدور حول نفسها، لا تؤدي لشيء.
خلافا لذلك، ما كان عامل جذب في هذه الحوارات هو الأداء الطبيعي واللافت للممثلين، معظمهم، إذ كانت الحوارات أشبه بالطبيعية، وكانت أكثر من كاميرا تُحيط بالممثلين ليأخذ منها كشيش تلك اللقطات التي تُظهر، أكثر، طبيعيّة الحوارات وما يدور داخل الإطار. وهذه واحدة من نقطتين إيجابيتين في الفيلم.
أما النقطة الثانية فكانت السينماتوغرافيا، الكاميرا المحمولة على اليد، المهتزّة، المتنقّلة، مع اللقطات المتنقّلة بسرعة كذلك، كأنّها رأس أمين يدور بين أصدقائه وأحاديثهم، وهذا مرتبط بالكاميرات التي أحاط بها، كما يبدو، كشيش ممثليه، إنّما كل ذلك لا يعفي الملل الذي تتسببت به تلك الحوارات.
قد يخرج أحدنا من الصالة بانطباع أن المخرج نسي أن يقطّع الفيلم (يُمنتجه)، إذ أنّه خرج أخيرا بثلاث ساعات طوال (جدا) محشوّة بالحوارات، يجلس أحدنا أمام الشاشة ليسمع ما يدور، بدون أحداث ولا حكاية. كان يمكن أن يقصّ كشيش نصفَ الفيلم، أن يخرج بفيلم مدّته ساعة ونصف الساعة، لا ثلاث ساعات، ويكون فيلما جيّدا خاليا من الحشو، ويكون قد انتقى من الحوارات ما يعطيها معنى في سياق الفيلم.
المشاهد الطويلة، كان يمكن اختصار بعضها، نصف ساعة هنا ونصف ساعة هناك، بدون أن يؤثّر فعلا على الفيلم، إلا بما يمكن أن يساعد في خروج المُشاهد بانطباع أفضل، لا يكون مرفقا بندم استماع لثرثرات تدوم ثلاث ساعات.
يمضي أمين معظم وقته مع ابن عمّه طوني، لكل منهما شخصية مختلفة عن الآخر: الأول كاتب سيناريو ويحب التصوير، هادئ ويميل لعلاقات الحب، الثاني لعوب ويعمل في مطعم كسكس تملكه العائلة، ويميل لعلاقات عابرة. يتعرفان إلى فتاتين فرنسيتين على الشاطئ، أتيتا من مدينة نيس، مع الفتاتين ومع آخرين من الأصدقاء، يتنقل أمين وطوني في المدينة، بين المطاعم والبارات وتحديدا الشاطئ، إضافة إلى مناطق في المدينة الريفية الساحلية، حيث يلتقي أمين بأكثر من فتاة يثير إعجابهن بدون أن يقيم علاقة مع أي منهن، ففي باريس تنتظره صديقته الروسية التي، بدون أي معنى كذلك، نُشاهد أمين عائدا يبحث عنها بدون أن يجدها أخيرا.
لكشيش أفلام سابقة جيّدة ك «The Secret of the Grain» و«Black Venus»، وكان لفيلمه الأخير، المعروض في الصالات الفرنسية هذه الأيام (Mektoub, My Love: Canto Uno)، احتمال أن يكون أفضلها، وأقربها إلى «حياة أديل» إن تخفّف من الثرثرات الطويلة.