«قصّة روح» مونولوغ في فيلم نصٌّ للسويدي إنغمار بيرغمان وأداء لافت للفرنسية صوفي مارسو

«قصّة روح» مونولوغ في فيلم.. نصٌّ للسويدي إنغمار بيرغمان وأداء لافت للفرنسية صوفي مارسو

«قصّة روح» مونولوغ في فيلم.. نصٌّ للسويدي إنغمار بيرغمان وأداء لافت للفرنسية صوفي مارسو

باريس «القدس العربي»: يمكن تلقّي العمل الفنّي، «قصّة روح» على ثلاثة مستويات، كنصٍّ يُقرأ كونه سيناريو كتبه المخرج السويدي إنغمار بيرغمان ولم يحوّله إلى فيلم، فبقي نصّاً مكتوباً لصاحبه، ويمكن تلقّيه كمسرحيّة تُؤدى على الخشبة، لأنّه كان كذلك لعدّة سنين، ويمكن تلقّيه كفيلم تلفزيوني لأنّه كذلك الآن، بعدما عرضته للمرة الأولى قناة arte الثقافية وصار متوفّراً على «دي- في- دي».
سأترك النص جانباً، وكذلك المسرحية، فالنص لم يصدر كمادة مكتوبة والمسرحيّة لم يتسنّ لي مشاهدتها، لكن لحسن الحظ عرضت القناة الفرنسية/الألمانية الفيلم (أو التيليفيلم) بعدما قامت مخرجة المسرحية ذاتها، بعد تحويل النص إلى المسرحية، تحويل المسرحيّة إلى فيلم.
أين تكمن الأهميّة في الفيلم؟ هي أولاً وثانياً وثالثاً في صاحب النص، فبيرغمان (1918-2007) يُعد من أهم المخرجين السينمائيين وواحد من أكثرهم تميّزاً، وصاحب العديد من الجوائز لعلّ أهمّها «سعفة السّعفات» (1997) التي يمنحها مهرجان كان السينمائي بشكل نادرٍ كتكريم عن مجمل الأعمال. ولم يكتفِ صاحب «الختم السابع» بصناعة الأفلام، بل تعدّاها إلى العمل على مستوى النظريّة والنقد في السينما، كتابةً وحديثاً. ونصّه هذا الذي كتبه عام 1972 ليكون فيلماً، لم يجد طريقه إلى التصوير فأعطى حقوقه لمخرجة العمل بينيديكت أكولا.
وتكمن الأهمية رابعاً في الأداء المتميز لصوفي مارسو، الجميلة الفرنسية التي أدتّ النصّ كمسرحية في 2011، قبل أن تؤديه أمام الكاميرا. والحديث هنا عن مونولوغ، أي أن الممثل الوحيد هي مارسو، والصوت الوحيد لها، واعتمد الفيلم على ديكورات مسرحيّة، فكان المكان هو البيت، غرفه، وكان الديكور متقشّفاً، مينيماليست، تاركاً مساحات شاسعة في الغرف لتكون مارسو وحركاتها مركز الصورة وأساسها.
وتتحدّث مارسو طوال مدّة الفيلم (83 دقيقة)، في لقطات ممنتجة وليست متواصلة، في سرد تتداخل فيه المواضيع والنبرات، إنّما بدون أحداث، فتبدو كمن تحكي حكاية وتؤديها. وطوال هذه المدّة كان من الصّعب إشاحة النظر عن الشاشة، أو الالتهاء بغير ما يسمعه المُشاهد وما يراه، خاصّة أنّ مارسو في معظم مَشاهدها كانت تُحادث الكاميرا، أو المُشاهد كأنّه جمهور مسرحيّة.
أمّا جمع بيرغمان ومارسو في هذا الفيلم فكان بفضل مخرجته أكولا، التي كانت مسرحيّتها أول تجربة إخراجية لها، وكذلك الفيلم الذي أضاف الإخراج فيه إلى النصّ والأداء، فكان الديكور، الإضاءة، الحركات، تداخل الأصوات، اللقطات القريبة لمارسو، والبعيدة، والقريبة جداً، كلّها دلّت على أنّ المشروع بمجمله كان، علاوة على فرادة طبيعته، ناجحاً سينمائياً.
وبالحديث عن دور المخرجة التي كتبت السيناريو كذلك، مأخوذاً عن نصّ لصاحب «بيرسونا»، فالشكل الذي تم نقل أصوات مارسو فيه والتنويع عليه، أضفى على الفيلم حيويّة زادت على ما منحه النص والأداء، فمارسو كانت تحكي معنا، مع الكاميرا، وأحياناً مع أناس خارج إطار الكاميرا، كخادمتها وأبيها وزوجها، ولم نرَ غيرها كوننا أمام مونولوغ، وأحيانا لا نراها تتحدث، إنّما نسمع صوتها، كأنّنا نسمع ما يخطر لها، أحياناً تحكي مع المرآة، تسكت فتكمل صورتها على المرآة الحديث، تحكي مع التلفزيون وتسكت وتشاهد نفسها تكمل الحديث عن التلفزيون، تحكي كأنّها تعلّق أو تروي أو تتحدّث أو تصرخ أو تبكي أو تضحك.
أمّا الحكاية، فهي حكاية فيكتوريا التي تخطّت الأربعين من عمرها، بورجوازيّة، سويديّة، جميلة، تعيش وحيدة تماماً، ووحدتها تسيطر على النص والأداء، نسمعها تحكي عن أحلامها وخيالاتها وواقعها، تُعيد إلى الحياة أشخاصاً وتتحدّث معهم وعنهم. الفيلم بورتريه لامرأة تفكّر بصوت عالٍ مستعيدة ذكرياتها ورغباتها، من بينها تلك التي تخصّ التمثيل والكتابة، وقد أرادت أن تصير ممثلة وأن تكتب شعراً.
قبل وفاته بثلاث سنين، في 2004، اكتشفت المخرجة أكولا سيناريو لبيرغمان لم يكن قد حوّله إلى فيلم، وبعد قراءته استطاعت إقناعه بمنحها الحقوق في التصرّف بالنص مسرحياً، معطية النص العنوان الحالي بعدما كان عنوانه السويدي «مسألة روحيّة». أمّا نقل النص إلى التلفزيون فقد نالت حقوقه بعدها من «مؤسسة إنغمار بيرغمان».
تخسر السينما في أنّ الفيلم لم يُعرض على شاشتها الواسعة واكتفى بالتلفزيون، وإن لم ينقصه ما يمكن أن يجعله فيلماً يُعرض في الصالات. لكنّه وإن كانت طبيعته المونولوغيّة قد تسبّب الملل لدى البعض، فهي ذاتها قد تشدّ آخرين إليه، إلى نصّ بيرغمان وأداء مارسو تحديداً.
سليم البيك

m2pack.biz