ما هو الصندوق الأسود

ما هو الصندوق الأسود

ما هو الصندوق الأسود

حوادث الطيران
لطالما ضجّت الوكالات الإخبارية بحوادث تحطم الطائرات، ولطالما تردّد على المسامع أن الجهات المختصّة باشرت عملها بالتحقيق بمجريات الحادث، وعادة ما يبدأ البحث عن أي دليل يشير إلى أسباب وقوع الحادث عن طريق البحث عن الأجزاء التي لم تتحطم بعد، وفي معظم حوادث الطيران يكون حل اللغز أمرًا غايةً في الأهمية لتفادي مسببات الحادث في الرحلات القادمة، فما هو الصندوق الأسود؟ وما دوره في حل مثل هذه الألغاز؟ [١]
ما هو الصندوق الأسود؟
يمكن إجابة سؤال: “ما هو الصندوق الأسود؟” بأنّه عبارة عن جهاز تسجيل إلكتروني يحفظ جميع البيانات المهمة للرحلة كالموقع، والمسار، والسرعة، والارتفاع، كما يقوم بتسجيل جميع المحادثات التي قام بها الطيارين سواءً مع برج المراقبة أو فيما بين أفراد الطاقم، والغريب في الأمر أن الصندوق الأسود ليس أسود اللون، فهو بالحقيقة عبارة عن عبوة معدنية برتقاليّة اللّون كي يسهل رؤيتها عند البحث عنها، وهناك نوعين مختلفين من أجهزة التسجيل التي تسمّى بالصندوق الأسود[٢]:
مسجل بيانات الرحلة-FDR-: والذي يسجل التاريخ الحديث لبيانات الرحلة، وله القدرة على تسجيل عشرات المعلومات مثل سرعة الطيران الأساسية، والارتفاع، والموقع، وتسارع المحركات، ومؤشرات ضغط دوران المحركات.
مسجل صوت قمرة القيادة -CVR-: والذي يسجل التاريخ الحديث لجميع الأصوات في قمرة القيادة، وجميع الظروف الداخلية لها مثل التواصل الصوتي بين أفراد الطاقم، والبث الصوتي ما بين أفراد الطاقم وبرج المراقبة، والأصوات الأخرى المحيطة بها في حال تم اقتحامها أو اختطاف الطائرة.
ومن الممكن جمع هذين الجهازين في جهاز واحد وفي وِحدة واحدة، كي يقدمان شهادة دقيقة تحكي جميع تفاصيل رحلة الطائرة، بحيث تكون جميع المعلومات مترابطة للمساعدة في أي تحقيق حاضر أو مستقبلي.[٣]
مكونات الصندوق الأسود
إضافة لإجابة سؤال: “ما هو الصندوق الأسود؟”فإنّه يتكون من حجرة معدنية عالية السماكة والصلابة من الستانلس ستيل، مطليّة من الداخل بطبقة من الألومينيوم كي تقاوم درجات الحرارة العالية في حال تعرضت للّهب، يتم ملؤها بمسحوق بيكربونات الصوديوم لقدرته العالية على امتصاص الحرارة، حتى لا تتسبب الحرارة بتلف المكونات الداخلية للصندوق، وتكون محكمة الإغلاق بحيث تمنع تسرّب المياه بداخلها، كما تحتوي الحجرة من الداخل على رقائق إلكترونية تعمل كبطاقة ذاكرة تحتفظ بجميع المعلومات المتعلقة بالرحلة، ويخضع الصندوق الأسود إلى اختبارات صارمة من المهندسين، بحيث يتم التأكد من صلابة هذه الصناديق في حالات الاصطدام العنيف، ودرجات الحرارة المرتفعة، وضغط المياه المرتفع في حال غرقها في البحار والمحيطات، وفيما يأتي ذكر لوظيفة بعض الأجزاء:[١]
طبقة رقيقة من الألومنيوم: تحيط بطاقات الذاكرة لحمايتها من التلف.
عازل ارتفاع درجة الحرارة: وهي كمية من السليكا الجافة بطبقة تعادل 2.54 سم، حيث توفر الحماية القصوى ضد درجات الحرارة المرتفعة مما يحافظ على سلامة بطاقات الذاكرة ما بعد الحوادث.
غلاف خارجي من الستانلس ستيل: يقوم بعزل إضافي ضد درجات الحرارة العالية، بالإضافة إلى أنه غير قابل للصّدأ، وتبلغ سماكة هذه الطبقة حوالي 0.64 سم، ويستخدم التيتانيوم كغلاف خارجي للصندوق.
قدرة الصندوق الأسود
للتعرف وبدقّة على ما هو الصندوق الأسود، يجب البحث عن ميزات هذا الاختراع بالغ الأهمية، حيث يعد الصندوق الأسود الأداة الأولى التي يلجأ إليها المحققون في كشف ملابسات الحادث، فلابد من أن يكون تصميم وهندسة الصندوق الأسود قادرة على الاحتفاظ بكم كبير من المعلومات والبيانات المهمة التي قد تشير لأسباب وقوع الحوادث، ومهما بلغ الضرر الخارجي للصندوق الأسود إلا أنه يحتفظ بجميع البيانات والمعلومات الهامة، التي سيستطيع الخبراء معالجتها عن طريق أجهزة مخصصة لمعالجة هذا النوع من البيانات، وليست جميع أجزاء الصندوق الأسود مهمة في حال وقوع حادث، حيث يتم جمع لوحات الذاكرة داخل أسطوانة تسمى وحدة الذاكرة الناجية من الحطام، ويكون هذا الجزء من الصندوق هو الناجي الوحيد من قوة الاصطدام، وتحطم ما تبقى من الصندوق ليس بالأمر المهم، ما دامت هذه الأسطوانة تحتفظ بجميع البيانات بشكل سليم، ومن الأمور التي تمنع ضياع البيانات في الصندوق الأسود:[٤]
ساعات التسجيل التي تبلغ 25 ساعة متواصلة من بيانات الرحلة، وساعتين من تسجيل بيئة قمرة القيادة، وتحُل البيانات الجديدة محل البيانات القديمة في حال عدم وقوع أي حادث يستوجب استعادة البيانات.
القدرة على مقاومة الاصطدام الذي تصل قوته إلى 3400 وحدة تسارع للجاذبية، حيث تعد قوة اصطدام هائلة تُثبت مدى قوة وصلابة هذه الأسطوانة.
مقاومة الحرارة إلى 1100 درجة مئوية، حيث ستتمكن من الصمود في حال اندلاع حريق بسبب وقود الطائرات والذي يولّد حرارة عالية جدًا.
مقاومة الضغط لعمق يصل إلى 6000 مترًا، أي في حال غرق الأسطوانة لأعماق بعيدة في المحيطات، ستتمكن وبكفاءة من المحافظة على جميع البيانات.
في حال تحطمت الطائرة، فإنّ للصندوق الأسود القدرة على إرسال إشارات استدلال على موقعه تدوم حتى 30 يومًا من وقوع حادث التحطم، حتى يتمكن الباحثون من تحديد موقع الصندوق عبر الأقمار الصناعية، ومن خلال فهم هذا التصميم المميز ومعرفة مواد التصنيع الأمثل يمكن معرفة ما هو الصندوق الأسود وما هو قدر أهميته في حل ألغاز الكوارث الجوية.[٤]
أول صندوق أسود على متن طائرة
لم يكن الصندوق الأسود معروفًا في العصور القديمة، ولم تكن هناك إجابة على سؤال: “ما هو الصندوق الأسود؟”، وفي أوائل عام 1900 ميلادي تم حمل أول صندوق أسود على متن طائرة؛ حيث قام ويلبر وأروفيل بحمله من دايتون أوهايو للقيام برحلة تجريبية، وتم اختباره من حيث تسجيل البيانات والاحتفاظ بالمعلومات، ولاقت هذه التجربة النجاح المراد منها، واشتهر الطيار تشارلز ليندبيرغ بأنه أول شخص يقوم برحلة منفردة عبر المحيط الأطلسي حاملًا معه هذا الصندوق على متن الطائرة عام 1927، وكان الصندوق الأسود في ذلك الوقت ذو تقنية بدائية بعض الشيء، وكان يستطيع الاحتفاظ بمقدار قليل من المعلومات المسجلة من رحلة الطيران، ففي تلك الحقبة كان عمله يقتصر على رسم بياني يستشعر التغييرات في الضغط الجوي باستخدام الحبر والورق الملفوف حول أسطوانة دوارة، إلا أنّه شهد موجة من التطويرات بعد ذلك ليصبح على ما هو عليه الآن، وبات من المهم على جميع العاملين في قطاع الطيران معرفة ما هو الصندوق الأسود وما أهميته، وقد أصبح جزءًا لا يمكن الاستغناء عنه في الطائرات.[٥]

m2pack.biz