معرضا أمينة سالم وزينب عامر.. عن الافتعال ومحاولات الإيحاء بالفن
القاهرة «القدس العربي» من محمد عبد الرحيم: تبدو المسافة شاسعة بين صدق العمل الفني، أو وجود شيء حقيقي يؤرق الفنان ويحاول تجسيده من خلال أي شكل من أشكال الفنون، والافتعال والتخبط، ومحاولات الإيحاء، بل وإكراه المتلقي بأن ما تراه أو تشاهده يتسم بسمات العمل الفني.
وفي الفن التشكيلي المصري خاصة نلمح كيفية صياغة ما يمكن أن يطلق عليه صفة عمل فني، حتى لو اقتصر على أشكال التزيين أو تصميم الملابس، وهي إن كانت فنوناً بدورها، إلا أنها لا تدخل في نطاق اللوحة التشكيلية، ناهيك عن هوس الحداثة وما بعدها المسميات فقط دون الروح ليصبح كل عمل كيفما اتفق يندرج تحت الحداثي وما بعده، ولتجد الكثير من المهللين والشاكرين من أصدقاء هذا الفنان أو ذاك، أو حتى لنيل شهرة زائفة إن ارتبط الأمر لفنان ذائع الصيت قدر الإمكان. وما بين الإيحاء بالتجديد والخروج عن المألوف والسائد، والاستغراق بل الغرق في رسومات كلاسيكية تزيّن صالونات البيوت، يأتي معرض كل من الفنانتين أمينة سالم المعنون ب«أصالة»، ومعرض الفنانة زينب عامر، الذي لم يحمل عنواناً، كنموذجين لما يمكن أن يطلق عليه افتعالاً ومحاولة للإيحاء بكونه فنا.
عين استشراقية زخرفية رومانسية
تأتي أعمال الفنانة أمينة سالم من خلال معرضها الذي أقامته في غاليري بيكاسو، وكأنها من زمن آخر، مجموعات من النساء أكثر ما تلمحه هو ملابسهن وكيفية تصاميم نسجها، وحتى يليق الأمر بعنوان المعرض/أصالة، فالفنانة تزيّن التصميم ببعض العبارات في خط عربي حتى يخلق حالة من التضاد ما بين وجوه وجلسات النساء وأرديتهن، والعبارات المكتوبة، ليبدو أننا أمام لوحات أحد فناني الاستشراق الذين مروا من هنا وسجلوا لوحات لسيدات القصور، الأمر مرتبط أكثر بأعمال القرن التاسع عشر الأوروبي، هذه اللوحات التزيينية الشهيرة التي نراها فوق المزهريات أو قطع الأثاث. للفنان الحرية في التعبير عن عالمه واهتماماته، ولكن أن يصبح الموضوع تلفيقاً أكثر من كونه رؤية أو استنساخاً فهو أمر صعب التصديق أو التفاعل معه. ورغم الزعم بالحداثي وما بعده إلا أن التقنيات أصبحت بدورها ضمن الكلاسيكي، كالكولاج وما شابه الموضة التي تم استهلاكها في مصر دونما حتى أدنى ابتكار أو محاولة للتجديد، إلا أن بعض المتابعات النقدية أو بمعنى أدق الدعائية لها رأي آخر من قبيل «قدمت الفنانة تجربة فنية جديدة تحمل طابع الأصالة، ويغلب على لوحاتها طابع تاريخي، وتمتلك الفنانة رؤى تولدت من الذكريات، وأعمالها فيها قدر كبير من الحيوية وأسرار الروح والحياة وأسرار الانفعالات الحركية. واكتملت مقومات مفاهيمها التشكيلية بجماليتها الزخرفية وخطوات تنساب في رشاقة ورومانسية».
«لوحات الفنانة على هذا النحو تبرز بوصفها سجلات بصرية تحكي عن الواقع وتستلهم منه ما يمكن له أن يضفي على مسطحات التشكيل معانيها ودلالتها الشاهدة على بلاغة الواقع وسحر الحياة». هذه العبارات أيضاً تمثل متابعات الدعاية في الصحف، وما بين بلاغة الواقع وسحر الحياة يأتي معرض الفنانة زينب عامر، غير المعنون، الذي أقيم في قاعة إبداع للفن، فيبدو وكأنه عوالم مختلفة جمّعت الفنانة أعمالها المتباينة تقنية وموضوعاً منذ عام 2010، ليبدو أننا أمام معرض جماعي لا رابط حتى بين موضوعه والأعمال الفنية، التي تحمل بعضها عناوين مثل.. «وجوه من الفيوم، حمّام السيدات، العروسة، أضواء، الحزينات، البدويات، القاهرة القديمة، سيوة، ورمضان في القاهرة»، في تباين صارخ في التقنية بخلاف التصوير المباشر للمنظر، كذلك اختلاط النِسب في تكوين الأجساد اللقطات القريبة والمتوسطة تحديداً الأمر يقترب أيضاً من التابلوهات التي تزيّن جدران المنازل.
وإن كانت العوالم التي تعبر عنها كل من الفنانتين بينهما مسافة كبيرة، إلا أنهما توحدتا في مفهومهما للعمل الفني، بأنه جدير بالاقتناء للتباهي، كما في حالة أمينة سالم، أو للتعبير عن البيئات المصرية في شكلها المدرسي، كما في حالة زينب عامر، والأمر في النهاية لا يعدو بالكاد تصاوير لتزيين الجدران.