من نظرة عين

فقره1
فقره1

1من اصل2

 

حوار العيون لغة مكتملة المفردات، كل وقفة ورمشه ولمحة تشكل حرفا في جملة خاصة جدا، لذلك أذكر الكثير من نظرات العيون التي لن تفارقني، نظرات جميلة أسرتني بصدقها، فلا أنسي عيون أصحابها، وكأنها بصمة عين مسجلة في ذاكرتي.

لكن تظل نظرات والدتي هي الركن الركين الذي ألجأ إليها مع بداية ونهاية كل يوم، بينما حوار لا ينقطع، بدأته هي منذ سنوات تعدت الثلاثين حين كانت تطل بعينيها وهي جالسة على مكتبها الصغير، ينسدل شعرها إلى كتفيها برقة بينما ترتدي نظارتها ذات الزجاج المائل للون الوردي، عيناها تتابعات ما أفعل بينما تحاول التركيز في كتاباتها الصحفية، وعلى الأرض، أمامي ورقة من الجريدة بها لغز لمن هم أكبر من عمري آنذاك، رسم متداخل كانت مهمتي تتميز أشكاله عن بعضها البعض، أمسك بأقلامي الخشبية الملونة لأحاول بحرص، تلك كانت طريقتها لتعلمني أولي خطوات إتقان رؤية الأشياء وتمييز تفاصيلها في تلك السن الصغيرة، فكنا نتشارك الساعات، كل منا في عمل منشغل به، وبينما تتوقع هي أن انهمك في مهمة حل اللغز لفترة تمنحها بعض الهدوء، كانت عادتي ألا تمر سوي دقائق قصيرة حتى اقترب بثقة قائلة “خلصت!” وحينها.. تستقبل حواسي إحدى نظراتها المدهشة المليئة بفيض من المشاعر يشع حبا وتشجيعا وآمالا وأحلاما.

تلك النظرة علمتني أن المشاهدة الحقيقية تستغرق وقتا، وأن بعض دقائق قليلة قد نبخل بها على أنفسنا وسط زحام لا ينقطع، قادرة أن تمنحنا الكثير من الإدراك والمتعة، نقرأ أفكارا ونكشف نفوسا، نستشف ما يخفي ونفسر ما نري، فبينما نعيش عالما أنصب اهتمامه على ابتكار طرق الاتصال بكل السب الممكنة، نسبيا أن أهم حبال التواصل هي عيوننا حيث تشاهد وتتأمل، وأن صمت اللسان والإنصات للعيون هو أكثر ما نحتاج اليوم، وأتساءل.. هل يمكن أن نصمت قليلا، وننصت لما هو أهم من الكلام؟

 

m2pack.biz