‘ موركان’ للقاص المغربي محمد العتروس.. عقارب القارئ ونواس السرد
ينصب محمد العتروس شبكته السّردية ليس لاقتناص اللحظة القصصية كما عودتنا القصّة القصيرة بتجلياتها العديدة بل يذهب أبعد من ذلك وراء الظلّ القصصي أو أثر الفراشة القصصي الذي يبقى كمجرم يحوم حول مكان جريمته. إنّه يستظهر البصمات الثاوية بعيداً، بحثاً عن شاهد خفيّ لم تلحظه الأعين المتأهبة كألسنة الضفادع ولا الآذان التي تستمع لفطر الكلام على الألسن الصامتة.
لا ريب أنّ هذه الطريقة فيها من الزهد بالكثير من الحوادث القصصية التي تغري القاص بتدوينها، فهو يبحث بسرده عن الإبرة في كومة القشّ وفيها من التقشف السردي بحيث تصبح القصة عبارة عن ضربات لريشة السّرد بطريقة حاسمة وسريعة كضربة سيف الهيراكاري لساموراي، خان أو تقاعس عن واجبه، فكسر زجاج قلبه وسفح دمه لعلّه يحظى بطهر لجثة تستحق أن تتحول لجثمان والهدف تحويلها لسيل جارف يغير معالم الأرض، فلا يسمح لقصه بالترويض كما يُفعل بالجداول. نعرض للقصة التالية كتطبيق على ما سبق من قول:
رماد
تخاصم الأبيض والأسود.
فسب الأول الثاني، وقال له:
– يا مسود الأيام!
رد الثاني للأول الصاع صاعين، وقال:
– يا مبيض الأموال!
تصادف أن كانت الفرشاة مارة بالقرب من المكان، فسمعتهما يتخاصمان. سلمت على الأسود وقبلت الأبيض، ثم سلمت على الأبيض وقبلت الأسود. وقالت:
– ها أنتما رماد.
تحويل الدلالة لدال:
لربما أكبر دفعة نالها القارئ ككفة ميزان أخرى لأيّ كتابة جاءت من رواية ‘لو أنّ مسافراً في ليلة شتائية’ لكالفينو. في تلك الرواية ظهر بشكل جليّ كيف أنّ الكاتب هو قارئ وأنّ القارئ هو كاتب لكن بخط سحري أو لنسمه صاحب أثر الفراشة، حيث أنّ الكتابة كنواس يظهرها ويجليها للوجود عقارب القارئ ويتم ذلك بأن يحوّل الشجرة الدلالية التي تتكون من جملة السرد ومفصّله إلى شجرة دوال جديدة تغني الوجود بداية عبر غنى القارئ، القارئ الذي، كما قال كافكا: ما الفائدة من كتاب لايعضّ ولايكسر ولا يقلق، كما ذكر صاحب كتاب ‘تاريخ الكتابة’ ألبرتو مانغويل، فالكتابة الحقيقة هي التي تنتج الوجود ولا تستنسخه أو تكرره والإنتاج يكون عادة بكسر أحادية الرؤية والصراخ حيث لا هواء ينقل الذبذبات ومع ذلك يطلق الصارخ آخر أنفاسه صانعاً محيطاً من الهواء حتى لو كان هذه بأن يسلم الروح.
محمد العتروس في اشتغاله القصصي المعتب ب’موركان’ والتي تفيد كترجمة لكلمة مغربي كترجمة حرفية تواصلية في حين من جهة تأويلية، تذكرنا الحروف الثلاثة الأولى بجزيرة الدكتور مورو للكاتب ه، ج، ويلز ويدلنا قسمها الأخير على فعل ماضٍ ناقص من ناحية ومن أخرى أنّ هذا المغربي قد وجد يوماً قبل أن تترجمه الهجرة لكائن مهجن.
قصص العتروس تُقرأ وأنت متأهب، فقرات ظهرك كوبر قط منتصب من الخوف أو الهجوم ولربما كوبر على جلد مسلوخ سقطت عليها ‘الكوكا كولا’ العالمية، فلم نأخذ من الحداثة غير التجشؤ.
في عودة على بدء الفقرة وإعطاء دفة القراءة / الكتابة للقارئ يفعل العتروس بالقارئ وفق القول التالي: رماه بالماء وصرخ به إياك والبلل وللحقيقة الماء هو المعرفة وبالمعرفة يحيا الإنسان ولا يغرق.
مجموعة قصصية شيقة، مكتوبة بادراك عالٍ وحسّ مرهف يلتقط أقل الاهتزازات كما العنكبوت يخرج من زاويته البعيدة ليلتقط فراشة وأثرها. نختم بهذه القصة:
ماروكان 5 .
في المعرض العربي الأوربي الخامس للكتاب بمعهد العالم العربي، حيث كنت أوقع آخر إصداراتي في رواق دار نشر فرنسية، حياني أحدهم وسألني:
– الأخ كاتب؟
قلت:
– نعم كاتب مغربي.
سأل ثانية ليتأكد:
– ماروكان يعني؟
قلت مؤكدا:
– نعم ماروكان يعني!
نظر يمينا ويسارا، وهمس في أذني كما لو كان يذيع سرا يخشى أن يفشى:
– الأخ ‘أومو’ ؟
– لا.. ‘أريال’ . وانصرفت.
1- شاذ/ مسحوق غسيل
2- مسحوق غسيل
ماروكان مجموعة قصصية للقاص محمد العتروس صادرة عن دار منشورات ديهيا المغرب لعام 2012
صحفي وكاتب من سوريا
Bassemsso91@gmail.com