نشأته وشخصيته9من اصل16
فهل يقال على هذا إنها
(1) الرمال المشرفة.
شخصية سمحة وكفى؟ هل يقال إنها شخصية خلت من صفات البأس والصرامة، أو كان حظها من هذه الصفات ضئيلًا لا يلتفت إليه؟ هل يقال إنها شخصية ضعيفة بكلمة متيقنة لا تردد فيها؟
من السهل أن يقال ذلك متابعة لجمهرة المؤرخين الذين درجوا على تعليل الحوادث الجلى ف عصر عثمان بضعفه واستسلامه لمن حوله، وعلى رأسهم ابن عمه مروان ابن الحكم.. فإن السهولة هنا توحي إلى المؤرخ أن يختار سبيلها، ويعفي نفسه من النظر إلى طريق غيرها قد يعترضه فيها اعتراض، من حيث لا اعتراض على سالك السبيل السهل الذلول.
لكن القول بضعف عثمان صعب على من يعلم أن السماحة نفسها قوة لا يضطلع بها طبع ضعيف، وصعب على من ينظر في أعماله جميعًا ولا يكتفي منها بأعماله التي يبدو عليها الضعف والتردد، ولم يكن عهد من عهود سيرته يخلو من عمل يدل على قوة نفس ومناعة خلق وثبات لا يتزعزع أمام الهول والخطر، وحسبنا من عهود سيرته ما أحاط بأطرافها من أول إسلامه إلى ختام حياته. فقد كان إسلامه تحديًا قويًا لخاصة أهله، ثبت عليه مع بقاء العلية من قومه بين عدو للإسلام أو مسالم له على دخل وسوء نية، وقد تلقى في أول خلافته صدمات لم يتعرض الفاروق لأخطر منها في جميع أيامه، ومنها هزيمة الجيوش، وفناء بعضها بين عوارض الأجواء القصية، وانقضاض الروم والخزر على أطراف الدولة الإسلامية الحديثة، وبعض مواقفه في تلك الأيام لا يمكن الرجوع به إلى رأي مروان بن الحكم، كوصاياه في إعداد الحملات البحرية من المتطوعين بغير إكراه على أحد من المجندين، وليس من السهل أن يوصف بالضعف رجل يحيط به خطر الموت من كل جانب ولا يذعن لمن توعدوه به جهرة ورددوه على مسمعه ليل نهار.
كلا. لا يقول القائل عن رجل كهذا انه ضعيف، ثم يستريح إلى قولته، إلا أن يبتغي الراحة ولا يبتغي سواها.