وجْس وحجارة

وجْس وحجارة

وجْس وحجارة

في أحضانها الواجفة تهدهده، تكسر صراخه الرقيق الصادر ملء جوفه، توجّه ثديها الطافح بالحليب نحو شفتيه المنفلتتين، ينقطع صراخه على أعتاب الحلمة وهي تأخذ طريقها إلى فمه، يتلقفها بلهفة ظمأى، يستشعر دفء السائل وهو يتمصّصه. توغله في أحضانها وكأنها أعماق بلا حدود، تقوّي ضمّه إليها، تبتغي شق صدرها ليلوذ بداخلها على الدوام. لا تزال أحضانها تختلج، ونبضها يتعالى هيجانه، والريح الصاخبة فيه تتعقبها، تحرّض عليها حتى تغادر الروح بقبضتها.
ترى النوافذ مغلقة، والستائر مسدلة، وصمت مطبق طفق يمزقه تصاعد أنفاسه المزمجرة. تهزل قدرتها على التصدي والمقاومة على عدة جبهات، حبّها الذي استدرجها مطبقة العينين إلى هذه العتمة التي تلفّهما معا في هذا المكان الغريب، صلابة بدنه التي شلت حركتها تماما، وصخب هذه الفوضى من الأحاسيس التي تغزوها الآن. لكن رغم ذلك تسعى إلى الانفلات من قبضة اللحظة، والانسلال من يمّ أنفاسه الساخنة التي تجتذبها إلى الأعماق، تحاول عبثا، وحده صوتها الوجل يقدر على الحركة:
– لا لا… ليس الآن… في ليلة الدخلة…
لا يزال صوتها في وجَف وانكسار:
– هل ضاعت حياتي! لا تضيع معك ولن تضيع…
فينحني رأسها نحوه، وقبلاتها تتناثر على رأسه وخدّه ويده الرطيبة التي تمسك بسبّابتها، تهدهده من جديد، لا تتوقف عن كل الحركات التي تشعره بالحماية والسلام. تنسكب الدموع شواظا، ويتصاعد النبض هيجانا على هيجان:
– لن أتخلى عنك…
يينع في عينيها غراس ترويه بحبّ في حجم السماء وأكثر، يعود من المدرسة، يرتمي في هذه الأحضان الساخنة المتلهفة، يمطرها زخات القبل، على ضفاف الشاطئ تعدو خلفه، تروم الإمساك به لتبلّله، فيتفجر صياحا وضحكا… ماذا، عروس! لا أكاد أصدق.
– لن أبتعد عنك… أموت ولا أفعل.
تنفجر في سمعها جلبة، تسترق عيناها النظر من أحد الشقوق، يصيح أحدهم مزمجرا:
– أخرجي يا…
يزمجر كالرعد صوت آخر يصيح بها:
– أين هو؟ يا ابنة…
ترتعش أوصالها، تجيش دموعها، ويتعاظم الذعر الساكن فيها… تهدّئ من روع ابنها الذي جنّ صراخه، تحاول عبثا.
تجسُم الجلبة، تحتدّ الأصوات، تداهمها حجارة.
٭ قاص من المغرب
najyb3@hotmail.com

m2pack.biz