الميليشيات الشيعية بانتظار حسم معركة الموصل لوصل الحدود السورية ـ العراقية بـ «البدر الشيعي»

الميليشيات الشيعية بانتظار حسم معركة الموصل لوصل الحدود السورية العراقية ب «البدر الشيعي»

الميليشيات الشيعية بانتظار حسم معركة الموصل لوصل الحدود السورية  العراقية ب «البدر الشيعي»

إسطنبول «القدس العربي»: تكتسب محافظة دير الزور أهمية استراتيجية بالغة لكل الأطراف المتنازعة في سوريا، فبالنسبة لتنظيم «الدولة» هي الحاضرة السكانية الأكثر احتضاناً من عمقه الصحراوي في بادية الشام، ذلك العمق الذي قد لا يجد التنظيم عنه بديلا لكمونه المرتقب بعد اشتداد الحملة المنسقة على آخر معاقله الحضرية الوازنة في الرقة والدير، وهي بوصفها كمعقل نائي عن الكتل السكانية لغير العرب السنّة كالكردية شمالا والأقلوية في سوريا المفيدة غربا، ظلت بعيدة عن اي عمليات من قبل القوات الحكومية والميليشاوية التي كانت تستفيد من حاضنات تلك البيئات المعادية، كما حصل في الهجوم الكردي الذي اكتسح المناطق العربية المجاورة للقرى والمدن ذات الاغلبية الكردية شمال سوريا، والذي ستكون الرقة على ما يبدو آخر أهدافه.
وهذا العامل الديموغرافي كان من بين الاسباب التي دفعت الولايات المتحدة مراراً للاعتماد على الميليشيات الكردية كقوة رئيسية، فاضافة لتماسكها وكفاءتها القتالية فهي قوات تستند لمحيط كردي داعم في شمال سوريا، ورغم احتمائها بحزام من الصحراء الشامية التي ساندتها حتى عندما هاجمها الفرنسيون في القرن الماضي لقمع قبيلتها العنيدة العكيدات، وهي نفسها التي انضم كثير من ابنائها وكتائبها العسكرية السابقة من «الجيش الحر» ثم لتنظيم «الدولة» اليوم، الا ان التفوق العسكري الجوي لخصوم التنظيم جعل تلك المناطق المكشوفة ارض بور لا يثمر فيها اي حلول برية للتصدي للقوات المهاجمة، رغم ان تلك الصحاري كانت ولا تزال أرض بور ايضا للغرباء يتيهون فيها قبل ان تمطر الطائرات قنابلها لتعبد الطريق لهم.
واضافة لعاملي العمق الصحراوي، والنقاء الديموغرافي، فإن عاملاً آخر يضاف لأهمية دير الزور لتنطيم «الدولة»، وهو انها حلقة الوصل مع معاقل التنظيم في العراق حيث عمقه الصحراوي المتصل نحو بادية الانبار، وهي الحدود التي اراد التنظيم بكسرها (في عملية كسر الحدود الشهيرة التي عرضها العدناني) وبمحوها اعادة رسم جغرافية سياسية جديدة تضع السنة بشطريهم بين العراق وسوريا في كيان سياسي واحد، ولا ننسى طبعا ما تشكله دير الزور من اهمية اقتصادية كونها غنية بحقول النفط والقمح، إلا ان هذا العامل فقد اهميته في الفترة الأخيرة لمحدودة قدرة التنظيم على الافادة من آبار النفط وتصدير منتوجه، ولكنه بالتأكيد من العوامل الهامة بالنسبة للنظام السوري الذي سيتمكن من الإفادة من ثروتها النفطية لتدعيم اقتصاده المتضعضع.
وهكذا فإن دير الزور تبدو مهددة بقوة من قوتين رئيسيتين تتسابقان بشكل محموم للوصول لتخومها، فصائل ما يسمى «مغاوير الثوار» المدعومة من وزارة الدفاع الأمريكي «البنتاغون» والمدربة بالأردن، وقوات النظام المدعومة من روسيا، عملية الفصائل المدعومة من «البنتاغون» انطلقت بالفعل بمحاذاة حدود الأردن والعراق الجنوبية مع سوريا منذ اشهر، وتريد الولايات المتحدة تحقيق هدف جيوسياسي ايضا وهو التقليل من نقاط التواصل بين حلفاء إيران في العراق وسوريا، من خلال توجيه تلك القوات العشائرية التي يحتفظ ببعضها بثارات مع تنظيم «الدولة» من حقبة الاقتتال في المنطقة الشرقية، وبالفعل وصلت تلك القوات إلى جنوب البوكمال، ولا تبدو قادرة على اتمام مهمتها بوقت قصير، وقد تعيد سيناريو قوات «درع الفرات» المدعومة من تركيا والتي أمضت قرابة العام بمواجهات مع تنظيم «الدولة» في سبيل السيطرة على قرى صغيرة محدودة الاهمية شمال حلب، خصوصا اذا عرفنا ان ما يعرف ب»جيش سوريا الجديد» (الاسم السابق لفصيل مغاوير الثوار، المكون من مجموعات عشائرية منتمية للبادية الجنوبية ولمحافظة دير الزور ومنهم الشعيطات بقيادة مهند الطلاع، وهو قيادي سابق بمجلس دير الزور العسكري للجيش الحر، المجلس الذي سبق ان انضم ايضا عدد من قياداته لتنظيم الدولة) هذا التشكيل المدعوم من «البنتاغون»، سبق ان فشل في تحقيق مهمته بعد ان سيطر لأيام وبدعم امريكي من قاعدة التنف على عدة بلدات قرب البوكمال مستعينا بانزال مروحي امريكي، قبل ان يستعيد تنظيم «الدولة» كل تلك المواقع بهجوم عكسي، والاهم من ذلك ان هناك من يسابق تلك القوات للظفر بتلك المناطق الريفية من الدير، النظام السوري وحلفاؤه من ميليشيات الشيعة.
فالنظام السوري وايران ينظرون لدير الزور بحدودها الممتدة نحو العراق حيث البوكمال كحلقة وصل لا غنى عنها بين حلفهم العربي الشيعي الممتد من بغداد لبيروت، واتصال هذه الحلقة ل «الجهادية الشيعية» هو في المقابل كسر لحلقة الكيان «الجهادي السنّي» المنافس التي عمل عليها تنظيم «الدولة» عبر سيطرته على نفس تلك المنطقة الحدودية التي كانت ممتدة من اطراف ربيعة الحدودية حتى التنف، وهكذا فان النظام السوري وايران يعملان على التقدم نحو دير الزور من محورين: الاول يستهدف المدينة، التي ما زال النظام فيها يحتفظ بجيب مقاوم عنيد ظل عصياً على تنظيم الدولة رغم محاولاته المتكرره، وكما نجح النظام بفك الحصار عن جيوب ظلت محاصرة لشهور بل أعوام في بعض الاحيان كمطار كويريس، وسجن حلب المركزي ونبل والزهراء، فانه يريد تكرار التجربة مع جنود الضابط الدرزي الشهير زهر الدين، والاهم انه يريد ضم مركز محافظة الدير لسيطرته بما تحمله من رمزية سيادية عجز النظام عن تحقيقها في الارياف المترامية بسوريا ونجح في اغلب مراكز المدن.
المحور الثاني الذي يريد النظام العمل عليه هو محور ريف الدير المتصل حتى العراق حيث الميادين والبوكمال، وهذه المنطقة هي نفسها محل تنافس مع قوات فصائل «البنتاغون» التي باتت على مسافة خمسين كيلومتراً جنوب البوكمال، وهو ما دفع النظام للاستعجال بشن عمليته نحو دير الزور مباشرة بعد جولة الاستانة الأخيرة، مؤجلا هجوماً مرتقباً آخر على جيب مهم بيد التنظيم الجهادي الشقيق ل «الدولة»، وهو «النصرة» الذي يهيمن على جيب ادلب، ولهذا ايضا جاءت تصريحات الحكومة السورية ووليد المعلم مهددة باعتبار أي ولوج للقوات الأردنية جنوبا بمثابة اعتداء، فالنظام السوري ومن خلفه ايران، لا يريد اكثار اللاعبين بالساحة السورية لافساد طبخته، خصوصا اللاعب الأمريكي المنتمي لمعسكر مختلف تماما عن المعسكر الإيراني والروسي، وان كان الأمريكيون إلى الآن لا يملكون قدرة ونفوذ الإيرانيين والروس في سوريا ولكنهم يحاولون مد اذرعهم في مفاصل حساسة من سوريا، احدها ارياف دير الزور القريبة من حدود العراق حيث قاعدة التنف الأمريكية، ولكن فصائل «البنتاغون» المشكلة من قوات عشائرية تكرر بفشلها تذكير الساسة الأمريكيين بالنتيجة التي توصلوا اليها واعلنوها عدة مرات وهي ان القوة الأكثر فعالية والأكثر تهيئاً لتلقي دعم امريكي هي القوى الكردية، التي تمتلك دافعاً عقائدياً للقتال يستند لمشروعها القومي، بينما لم تظهر إلى الآن في سوريا ولا في العراق قوة عربية سنّية قادرة على مواجهة تنظيم «الدولة» من دون دعم غربي هائل.
وهذا ما حصل مع «جيش سوريا الجديد» الذي انبثقت عنه اليوم «مغاوير الثورة»، اذ فشل هذا التشكيل في مواجهة تنظيم «الدولة» رغم الدعم الكبير من «البنتاغون» في هجوم سابق، النظام السوري اذن، ولتحقيق رغبته في مواجهة خطة «البنتاغون» للتقدم نحو البوكمال، سيحاول غالبا الاستعانة بالميليشيات الشيعية المقبلة من الطرف المقابل في حدود العراق حيث القائم وراوة وعانة، لكن ما يؤخر تنفيذ هذا المحور هو معارك الموصل وتلعفر، فالموصل رغم انها محاصرة بالكامل، وتلعفر غربها محاطة بطوق من الحشد الشعبي، الا ان سحب قوات كبيرة من تلك البقعة لن يكون ممكنا الا بعد اتمام السيطرة وتحجيم خطرها، لتتجه بعدها قوات الحكومة العراقية بدعم امريكي نحو الحدود السورية – العراقية، وتتحرك معها ميليشيا الحشد من تلعفر نحو الحدود، وهذا ما قاله حرفياً قيس الخزعلي زعيم اكبر الميليشيات الشيعية المرتبطة بإيران، اذ تحدث عن مراحل التقدم وصولا للقائم، والالتقاء مع «اخوانه في سوريا» لتشكيل ما قال انه أوسع من هلال شيعي… «البدر الشيعي».
Share on FacebookClick to share on TwitterClick to share on Google+

m2pack.biz