مجاملات وصفقات في البرلمان الأردني لضمان «أسرع وأسهل» عبور للموازنة المالية

مجاملات وصفقات في البرلمان الأردني لضمان «أسرع وأسهل» عبور للموازنة المالية

مجاملات وصفقات في البرلمان الأردني لضمان «أسرع وأسهل» عبور للموازنة المالية

عمان – «القدس العربي»: أخفق عضو البرلمان الأردني الدكتور نصار القيسي في الوصول لموقع رئاسة اللجنة المالية في مجلس النواب، بعد تسوية خلف الكواليس قفزت بزميله أحمد الصفدي رئيسًا للجنة بالتزكية، الأمر الذي يشكل الخيار الأنسب لرئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي ووزير المالية عمر ملحس.
حصل ذلك بالتوازي مع تقدم الوزير ملحس ببيانه المنتظر لمشروع الموازنة المالية طمعًا في الحصول على ثقة مجلس النواب. أخفق القيسي لمصلحة ترتيب له علاقة بخيارات الحكومة برغم أن زميله ومنافسه الصفدي كان شاهدًا على «الجاهة البرلمانية الديمقراطية» التي ترأسها المخضرم عبد الكريم الدغمي، وزارت القيسي في منزله وطالبته بعدم ترشيح نفسه لمواجهة النائب الأول لرئاسة النواب حيث استجاب القيسي وقتها بشرط علني واحد هو عدم إعاقته من أي موقع يترشح له لاحقًا.
لاحقاً لتلك الجاهة التي حضرها أيضاً رئيس المجلس عاطف الطراونة، خسر الصفدي مواجهة انتخابات النائب الأول، ثم عاد ليخطف موقع رئاسة اللجنة المالية، حتى يغادر القيسي الذي كان طامحًا بالموقع المسرح خالي الوفاض، مع أن كلاهما أي الصفدي والقيسي من دون أية خلفية مالية فنية من أي نوع. وبكل الأحوال؛ هذا الترتيب في اللجنة المالية يوائم خطة الحكومة بوضوح، لأن القرار الأول لمجلس النواب، كان إحالة الموازنة للجنة المختصة، حيث استعدت الحكومة جيدًا لحالة تريد فيها نوابًا لا يعترضون طريقها وطريقتها في الإصلاح المالي والاقتصادي.
وبطبيعة الحال من حق أي حكومة التحشيد لحلفائها في مجلس النواب، مع أن المجلس لم يسبق له أن حجب الثقة عن مشروع أية موازنة. وأن المجلس الحالي «متحمس» في بعض الأحيان أكثر من الحكومة للتعاون معها وإظهار قدرته على تحمّل المسئوليات الوطنية في لحظات الأزمة الاقتصادية والإقليمية الحرجة.
وهنا لا يبدو مجلس النواب معنيًا بوضوح بمشاعر الرأي العام، ولا اتجاهات الشارع، ولا الخطابات الشعبية التي تخفق بدورها في توفير بدائل للأزمة الاقتصادية الخانقة، التي يعود جذرها في نهاية المطاف لخيارات سياسية دُولية وإقليمية عابرة للأردن، كما يحاجج كبار المسؤولين. لكن الرئيس الطراونة أرسل بدوره وقبل ساعات فقط من تحويل مشروع الموازنة المالية له الإشارة الأولى التي تغازل رغبة المؤسسة المركزية في تمرير الموازنة وتجنب أية إعاقة لحكومة الملقي.
هنا خاطب الطراونة القوى العابرة للحكومة، وهو يصرح في ندوة جانبية قبل ساعات من تحويل الموازنة لسلطة التشريع، بأن المجلس شريك مع الحكومة في تحمل المسؤوليات الوطنية، وأن الظروف صعبة ومعقدة تتطلب إصلاحات مطلوبة، ضمن معادلة حماية المواطن الأردني، ودخله، وهو ما لا يمكنه أن يحصل بكل الأحوال، وبرأي الخبراء جميعهم بعد تغيير معادلة تسعير الخبز ورفع معدلات الضريبة على شرائح جديدة من الطبقة الوسطى.
سياسياً يمكن تفهُّم موقف الطراونة المتعاون، بالسياق مع الحكومة، حتى لا يُتَّهم لاحقاً بتبني خيارات معاكسة لتوجه الدولة، مع أن لديه ملحوظات متعددة على أداء الحكومة وطاقمها. وفي الوقت عينه تبدو الفرصة متاحة إزاء الطامحين كلهم من نشطاء البرلمان بمغازلة المرحلة والتقدم بمواقع سياسية، على أساس تمرير الموازنة التي لا يريد الإيقاع الشعبي أن يتحملها، لأسباب عدة لا يمكن إنكارها.
المستجد الأبرز في الموضوع؛ هو أن حفلة «المجاملة» البرلمانية لتوجهات الحكومة الاقتصادية الغليظة من حيث التسعير والتصعيد الضريبي، قد تشمل الكتلة التي تمثل نخبة من الإخوان المسلمين في المجلس، حيث دخلت الجماعة في إطار السعي لصيغة من صيغ المصالحة مع الدولة والرغبة في التفاعل مع عواصف الإقليم وتجنب أية ذرائع للتصادم.
في حال أسقطت جماعة الإخوان خيارات بوصلتها نفسها في هذا الاتجاه يمكن توقع موقف غير معارض بشدة، على الأقل خلافا للعادة لمشروع الموازنة، خصوصًا إذا ما قررت كتلة الإصلاح البرلماني المُضيِّ قدما في تكتيك طرح رسائل وُدِّية وإيجابية عبر البرلمان لمصلحة التيار الإسلامي الذي أظهر بدوره خلال الأوقات الصعبة الأخيرة تفاعلًا إيجابيًا نشطًا مع المبادرات الرسمية، وميلًا لأية «مصافحة ومصالحة» على حد تعبير القيادي الشيخ زكي بني ارشيد. في الوقت الذي سيتيح وزير المالية ملحس لصديقه وحليف حكومته الصفدي فرصة إجراء تعديلات طفيفة تسهم في تسويق قرارات اللجنة المالية وتظهر النواب على أساس الحرص على جيوب الفقراء والموظفين على الأقل.
الموازنة سياسيًا أيضاً قيل بكل اللغات إنها «خيار الدولة» لا الحكومة، والرئيس الملقي بالتأكيد لا يخشى سقوطها أو حجب الثقة عنها. لكنه مهتمٌ جدًا بحصول موازنته على أكبر قاعدة ممكنة من الأصوات، وبالتالي؛ على قاعدة عريضة من «الشرعية»، وفي الوقت ذاته يهتم وزير المالية بأن لا يتم تعديل ولو حرف أو رقم واحد من خطته التي وصفها خبراء عديدون بأنها «فوقية»، وهو يرسم التفاصيل الفنية للموازنة مشيرًا في المرات جميعها إلى أن اختياره مرجعيٌ من القطاع الخاص لقيادة وزارة المالية في المرحلة الحرجة، يعني أنه رجل مسؤول وغير مطلوب من أي مجاملات على حساب الوقائع مع النواب أو غيرهم. ..على الأقل هذا ما يردده الوزير ملحس على مسامع من يحاولون مناقشته جميعهم.

m2pack.biz